يتفنن البعض منا في الجلوس خارج بيت اللغة، مما يجعل الهوية الوطنية تبحث عن وجهها الحقيقي، فلا تجد غير هالة ضبابية تغشي العيون، لا يجد سوى أضغاث حلم يتزحلق فوق جليد مشاعر، أشبه بنشارة الخشب، وهذا ما يجعل الأوفياء يهرعون لكي يقفوا في وجه الطوفان، ويسدوا الثقوب التي لحقت بالذاكرة، ويمنعوا سقوط الأمطار الحمضية من المساس بالهوية.
لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس الوطني برئاسة الدكتور عدنان حمد الحمادي، وجدت نفسها في قلب الحدث، والمسؤولية جسيمة، ولكنها حتمية، وحاسمة، وفي زمن قياسي يحتاج إلى هذه الهبة، يحتاج إلى هذه اليقظة، لأن الوطن، ومتطلبات الحفاظ على مكتسباته التاريخية، الأمر الأهم في كل الظروف والأحوال، وهوية الوطن مرتبطة بلغة أهله، ارتباط الدم بحبل المشيمة، لا سماء أعلى من سماء ألوهية؛ لأنها هي الوجه، واللسان، وهي المشاعر وكل ما يتعلق بشؤون الإنسان، الهوية مفتاح الولوج في العالم، وهي السبورة العملاقة التي يكتب عليها الدرس الأول في تعليم الإنسان معنى الوطن، ومعنى الانتماء إلى أرضه وسمائه، وصحرائه وبحره، وشجره وطيره، وكل ما ينم عن تاريخ كتبت صفحاته بعرق الإنسان الذي ساور الصحراء يوماً فقالت له هيت لك، قالت تلك هي حبات التراب فابنِ بها بيتك، وتلك هفهفات الأوراق للوزن بها قيثارة أحلامك، وتلك هي الموجة البيضاء، فسطر على طرفها الناصع مواويل الغواص، ونهمته، وشهقة البحار حين تكون الموجة، رسالة الماء إلى سواحل الأفئدة.
فالضاد ليس حرفاً عابراً حول الأبجدية، بل هو ذلك النعيم في ثنايا المعجم اللغوي، هو ذلك المدار في أعطاف الهوية، هو ذلك المسار في غضون الجملة الفعلية، هو ذلك السبر والخبر، يفرض فرضه لا نافلته في أحشاء القيم، وشيم الإنسان الذي كتب القصيدة محتفياً بأرض وسماء وإنسان، ونسج خيوط الحكاية لأجل تأريخ صولة المكان، وجولة الزمان، في تجاويف صحراء علَّمت الإنسان ما لم يكن في وجدان الطير، ولا الشجر.
واليوم والمجلس الوطني في بلادنا يقوم بدوره الوطني، ولهذا ليس غريباً على أبناء هذا الوطن، وقد مهدت القيادة الرشيدة للجميع طرق الالتفات إلى الأولويات، والمسؤوليات، والحروف الهجائية لكل ما يرتبط بتاريخ الوطن، وكل ما يتعلق بهويته، واللغة العربية هي السين والجيم في كل دائرة من دوائر السؤال الوجودي، حول من أنا، وأنا من أكون.
ففي خضم التطورات، والحركة، وسيرورة المكان وانفتاح العالم على بعضه، وكله، لا بد وأن نكون في تمام اليقظة، وفي أتم الانتباه، لما قد تسببه بعض الانثيالات التي قد تضيق النافذة على الضاد، فلا تجد ما يمنحها فرصة الالتقاء بوعي الإنسان؛ لذلك نجد رجالنا في المجلس الوطني، يهبون بثقة، وثبات نحو إتمام اللقاء المعرفي بين جميع المؤسسات ذات الشأن الثقافي، ليضطلع الجميع بمسؤولياته، ويقف كل منهم على متطلبات الوقوف في وجه التيار الجارف الذي عم العالم، لأن دولة الإمارات بلد مختلف؛ لأن دولة الإمارات تنطلق من ثوابت وطنية لا تزحزحها العواصف، ولا تحرك أوتادها العواتي، فقط لأن في بلادنا تكمن حقيقة الإيمان بأهمية اللغة، كعماد للهوية، وجسر قويم موصل إلى بيت القصيد، وكل ما يهم الإنسان، ويرتبط بحياته، ومستقبل وطنه.