يُعد فقدان الطعام وهدره من التحديات التي تؤثر تأثيراً مباشراً في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. ويشير فقدان الطعام إلى الفقد الذي يحصل في مختلف مراحل العمليات اللوجستية، مثل الحصاد، والتخزين، والنقل، وعرض المنتجات في الأسواق. وفي المقابل يرتبط هدر الطعام أساساً بممارسات المستهلكين، بسبب عوامل مثل التخزين غير السليم، والإفراط في التحضير، وإعداد كميات زائدة على الحاجة. وتشير دراسات إلى أن ما يقارب 1.3 مليار طن من الطعام تُهدَر سنوياً على مستوى العالم، وهو ما يعادل ثلث الإنتاج العالمي من الغذاء. وفي الوقت نفسه، يعاني نحو 800 مليون شخص نقص الغذاء، ما يبرز الخلل الملموس في أنظمة الغذاء عالميًّا.
وفي كثير من دول العالم تُمنَح زيادة إنتاج الغذاء اهتمامًا كبيرًا من أجل تحقيق الأمن الغذائي، في وقت يُغفَل فيه التعامل مع مشكلة فقدان الطعام وهدره.
وثمة فرق مضلِّل في الإحصائيات المتداولة حول موضوع هدر الطعام، ويكمن السبب في اشتمالها على أرقام فقدان الطعام في نتائجها ودراساتها، لذا علينا أن نعي أن الطعام الذي يَتلف، أو تنتهي صلاحيته، أو يخزن تخزيناً سيئاً، أو لا يصلح للاستهلاك الآدمي، هو «فقدان طعام»، «لاهدر له»، فالواجب هنا أن تُحاسب على هذا الهدر الشركات، لا الأفراد الذين لم يعودوا يهدرون الطعام في سلات المهملات بالأحياء السكنية.
وأحد الأسباب الرئيسية لفقدان الطعام هو قيام مختلف الشركات بتأمين منتجات الطعام، وعندما تنتهي صلاحية هذه المنتجات، وتحتاج الشركات إلى التخلص منها، تستعيد خسائرها المالية من شركات التأمين بعد إصدار الجهات المعنية شهادات التخلص منها بناءً على طلب هذه الشركات. وفي بعض الحالات يشحن مصنعو المواد الغذائية، أو تجَّارها، منتجات الطعام التي أوشكت صلاحيتها أن تنتهي إلى مدن أو دول ذات رقابة، محدودة أو معدومة، على الهدر، مع سهولة الحصول على موافقات لتدمير الطعام، وإصدار شهادات التخلص منه، بهدف استرداد تعويضات التأمين.
وتتمثل أول خطوة فعَّالة لتحقيق الأمن الغذائي المستدام على الصعيد العالمي في «السيطرة على فقدان الطعام» ومراقبته، ومنعه، أو تقليله قدر الإمكان عن طريق الحوكمة الفعَّالة، ونظام التفتيش المؤسسي، ويمكن تحقيق ذلك عبر مبادرات ذكية تتمثل في الآتي: إنشاء أنظمة تفتيش مؤسسية شفافة وخالية من البيروقراطية على المستوى الفيدرالي لإجراء فحص دقيق لتواريخ الإنتاج والانتهاء عند منافذ الدخول لكل دولة، بهدف منع استيراد الطعام لأغراض التخلص منه. كما تجب مراقبة الطلبات المتكررة للتخلص من الطعام منتهي الصلاحية، أو التالف، واتخاذ الإجراءات التصحيحية بحق المخالفين. وإضافةً إلى ذلك ينبغي تقليص إصدار تصاريح وشهادات التخلص من الطعام، على أن تكون وفق شروط صارمة للحد من الإنتاج الزائد، أو الاستيراد، أو التخزين السيئ. وأخيراً يجب فصل الإحصائيات المتعلقة بـ«هدر الطعام» عن تلك الخاصة بـ«فقدان الطعام»، بحيث يجري إعلان كل منهما وتوثيقها بشكل مستقل، ما يساعد على زيادة الوعي، وتحسين المراقبة والضبط.
*مؤلف كتاب «قادة التنمية المستدامة» - خبير حماية البيئة والتنمية المستدامة - مؤسس معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب - نائب رئيس جمعية الباحثين