لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل إلهام العالم العربي في مختلف مجالات التنمية، وخاصة في مجال ترسيخ المعرفة الذي يمثل أساساً مكيناً للنجاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل في عالم يعتمد على إذكاء طاقات الابتكار والإبداع وإطلاق طاقات العقل الإنساني إلى أقصى حدودها.
ومن بين آخر الشواهد التي يتجلى فيها هذا الإلهام الإماراتي، دعوة جامعة الدول العربية الوزارات المعنية بالتعليم في الدول العربية إلى اعتماد مبادرة «تحدي القراءة العربي»، التي أطلقتها مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، كمنهج تعليمي ودعم نشرها وتعزيزها، وهي الدعوة التي أُطلقت في إطار الاحتفال بـ «اليوم العالمي للغة العربية» في 18 ديسمبر الجاري.
وتمثل هذه الدعوة من جانب جامعة الدول العربية إنجازاً جديداً للمبادرة التي أُطلقت في العام الدراسي 2015- 2016، في ظل اهتمام كبير في دولة الإمارات باللغة العربية من كل جوانبها، إدراكاً منها لمركزية اللغة الأم في أي تطور حضاري تسعى إليه الأمم والشعوب. وتجدر الإشارة إلى عدد من الحقائق المتعلقة بمبادرة «تحدي القراءة» التي دعمت مسيرتها جعلت التحرك الأخير لجامعة الدول العربية خطوة في السياق الصحيح:
أولاً: الدور المحوري للقيادة الرشيدة التي تمتلك الرؤية والإرادة لتحقيق الأهداف الكبرى من خلال ترجمتها إلى عمل له استراتيجياته الواعية، وخططه المُحكمة، والأدوات التي تضمن تنفيذها بأعلى مستويات الكفاءة، فقد أُطلقت المبادرة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وحظيت بمتابعة حثيثة ومستمرة من سموه منذ إطلاقها قبل أكثر من 9 سنوات.
ثانياً: الزيادة الكبيرة كل عام في أعداد المشاركين، فقد ارتفعت من 3.6 مليون مشارك من 19 دولة في الدورة الأولى (2015- 2016)، إلى 22.8 مليون من 44 دولة في دورتها السادسة (2021- 2022). وفي دورتها الأخيرة شارك 28.2 مليون من 50 دولة، ينتمون إلى 229,620 مدرسة. ويعني ذلك ارتفاعاً بنسبة 780% خلال ثماني دورات.
ثالثاً: أن أفق المبادرة عربي وعروبي، فقد تضمنت «رسالة» المبادرة «إحداث نهضة في القراءة عبر الوصول إلى جميع الطلبة في مدارس وجامعات العالم العربي، شاملةً أبناء الجاليات العربيّة في الدول الأجنبية، ومتعلمي اللغة العربية من الناطقين بغيرها»، وتضمنت الأهداف «تعزيز الحس الوطني والشعور بالانتماء لمستقبل مشترك» بين العرب جميعاً.
رابعاً: أن الفئة العمرية التي تستهدفها المبادرة هي الأطفال والشباب، ما يعني أن المبادرة معنية بالمستقبل الذي سيكون فيه مئات الملايين ممن ارتبطوا بالقراءة وباللغة العربية من خلال المبادرة في مواقع المسؤولية، ما يعني أنهم سيكونون جزءاً من حراك مستدام للاهتمام باللغة العربية وتقويتها وتعزيز حضورها.
خامساً: أن المبادرة تُجسد تماماً معادلة «الربح للجميع»، فليس مَن يفوزون بالجوائز المالية وحدهم هم الرابحين في السباق، بل إن كل مَن تقدَّم للمسابقة وقرأ كتاباً واحداً أو جزءاً من كتاب قد استفاد.
سادساً: أن إطلاق المبادرة يأتي في إطار حزمة كبيرة ونوعية ومتواصلة من الجهود التي تبذلها دولة الإمارات لخدمة اللغة العربية وتعزيز مكانتها ودورها، تشمل: القرارات الحكومية التي تُعزز استخدام اللغة العربية وتُشجع على دراستها، وإجراء الدراسات العلمية الجادة حولها، والاهتمام بتعليمها وتعلمها، إلى جانب تخصيص جوائز كبرى لأصحاب الإنجازات المهمة لخدمة العربية، وإنشاء المؤسسات العلمية المعنية بها، وتشجيع الترجمة منها وإليها.
ومن المؤكد أن هذا الجهد التي تبذله دولة الإمارات العربية المتحدة في المجال الثقافي والفكري والمعرفي إنما يتسق مع تصور دولة الإمارات لواجباتها إزاء العالم العربي الذي تفخر بانتمائها إليه، وأن العناية باللغة العربية إنما تمثل حصناً دفاعياً متيناً أمام ما تتعرض له الهوية العربية من تحديات، ويتكامل مع اضطلاع الدولة بمسؤولياتها إزاء شقيقاتها من الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، على النحو الذي يضيف إلى القوة العربية الشاملة، ويدعم مسيرة العالم العربي نحو التنمية والاستقرار، ويعزز من مكانة العرب في العالم.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية