تمر اليوم الذكرى الثالثة للهجوم الإرهابي الذي استهدف دولة الإمارات، فقد تعرضت بلادنا في 17 يناير 2022 لاعتداء غادر، أريد منه النيل من نموذجنا التنموي الناجح، ومن مكتسباتنا وسيادتنا الوطنية، فكانت الإمارات عصية على أوهام الإرهابيين، فذهبت أوهامهم أدراج الرياح، وبقي الوطن شامخاً عزيزاً، ومسيرة النهضة ماضية إلى آفاق أوسع من الريادة والإنجاز.
17 يناير، ليست مجرد ذكرى نستحضرها فحسب، بل تاريخ يجب تعلمه، وأخذ العبر والدروس منه، ونقله للأجيال المقبلة، فذلك الهجوم الجبان لم يكُن يستهدف الإمارات وحدها، بل يستهدف قيم الإنسانية والسلام والتسامح.
لقد جسد ذلك اليوم تاريخاً وطنياً، حريٌ بنا أن نفاخر به ونستذكره، فرغم صعوبة ذلك الحدث، الذي تتعرض له الدولة لأول مرة في مسيرتها الوطنية، إلا أنه أظهر أفضل ما لدينا، فقد أظهرت بلادنا صلابة ركائزها، وحكمة قيادتها، التي تعاملت بكل حزم وشجاعة مع الحدث، فكانت القرارات الحاسمة، لضمان سلامة الوطن والمواطنين والمقيمين، والحفاظ على الاستقرار وسير الحياة بشكل طبيعي، بجانب التعامل مع الحدث بشفافية ووضوح، من خلال إطلاع المواطنين والمقيمين على التفاصيل كافة المتعلقة بالهجوم الإرهابي، وقطع الطريق أمام أي محاولات للتهويل ونشر الإشاعات، وكل ذلك دون التخلي عن العقلانية والاتزان وسداد الرؤية، الذي لطالما ميز السياسة الإماراتية منذ نشأة الدولة.
وأثبت ذلك الهجوم الإرهابي أن الرهان على تلاحم الشعب والقيادة، هو الرهان الرابح، فظهرت الروح الوطنية الراسخة؛ لتعكس وحدة الصف وعمق الانتماء للوطن، والولاء لقيادته، فكان شعبنا على مستوى عالٍ من الوعي والإيمان بإمكانيات دولته وكفاءة مؤسساتها، وعمق ثقته بقيادته، وقدرتها على تجاوز أي أحداث وصعاب، وإحباط أي مخططات تهدف إلى خلق ظروف سلبية تؤثر على الدولة والمجتمع، وهذا الشعور لم يقتصر على المواطنين فقط، إذ كان من المفرح أن تلمس مدى الشعور المخلص من المقيمين وتلاحمهم وتكاتفهم، الذين تعاملوا مع الحدث باعتباره يمس وطنهم الثاني، ويزعزع استقرارهم الشخصي وحياة أسرهم.
وعلى الصعيد السياسي، تعاملت قيادة الإمارات مع هذا الهجوم بكل مسؤولية وجدية، دون التقليل مما حدث، رغم أنه كان من الممكن التقليل منه باعتباره مجرد عمل إرهابي عابر واستهداف غير مؤثر، إلا أن قيادتنا الرشيدة رأت أن أي تهديد، سواء كان صغيراً أو كبيراً، يجب التعامل معه بحزم وقوة، وعدم التهاون معه نهائياً، وهذا ما تم فعلياً، ولعل هذا التوجه من الدروس المهمة، فبناء الأوطان وأمنها لا يبنى فقط من خلال قصص النجاح والرخاء فقط، بل أيضاً من خلال التعامل مع التحديات وتجاوزها.
كما أظهر الحدث حكمة وأهمية الجهد الكبير الذي بذلته الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال السنوات الطويلة الماضية التي سبقت الحادث، في بناء جيش وطني متمكن واحترافي، وقادر على مواجهة التحديات، فقد أثبتت الأجهزة العسكرية والأمنية كفاءة استثنائية، عكست مستوى رفيعاً من الجاهزية والاحترافية، سواء في التصدي للهجوم أو التعامل مع تداعياته، أو إفشال أي مخططات إرهابية مستقبلية، وأكدت من خلال تعاملها مع الاعتداء الآثم أن الأمن والأمان الذي تنعم به دولتنا، ليس وليد المصادفة، بل نتيجة عمل دؤوب واستراتيجيات متجددة، فالأمن الذي نعيشه في أوجه حياتنا كافة هو ثمرة طبيعية لجهود القيادة الحكيمة وقوة مؤسساتنا الوطنية، وهو الركيزة الأساسية التي تستند إليها نهضتنا ومسيرتنا التنموية الناجحة.
وفي السياق الاقتصادي، ورغم تنفيذ الهجوم الإرهابي، إلا أنه لم يكن استهدافاً عسكرياً بحتاً، فالميليشيات الإرهابية التي نفذت الهجوم لديها من القناعة والدراية التامة بقدراتنا على الدفاع بكل قوة عن سيادتنا وأرضنا، فقد كان الهدف الرئيسي هو المساس بمكانتنا الاقتصادية، ونموذجنا الجاذب، وسمعتنا الدولية كمركز عالمي للمال والأعمال، وهذا ما فشلوا فيه فشلاً ذريعاً، فقد أظهر اقتصادنا الوطني متانة وقدرة على التعامل مع الأحداث كافة دون أي تأثيرات تذكر، وهذا ما أكدته المرحلة اللاحقة، فقد عزز اقتصادنا الوطني من قدراته، وانطلق نحو آفاق أوسع وقطاعات جديدة، ومواصلة النمو وتحقيق الإنجازات؛ وذلك بفضل التخطيط الاستراتيجي والأسس القوية، علاوة على الثقة الكبيرة التي يحظى بها اقتصادنا الوطني من قبل المؤسسات الدولية، والمستثمرين والمقيمين من مختلف الجنسيات.
على المستوى الدولي، أظهرت تلك الأحداث المكانة المرموقة لدولتنا، وذلك من خلال تضامن الأشقاء والأصدقاء، ودعمهم الكامل للإمارات، وحقها في الدفاع عن سيادتها ومنجزاتها الوطنية، ودعمهم التام لخطوات الدولة للتصدي بكل حزم لأشكال التطرف والإرهاب كافة، فكان هذا الالتفاف تأكيداً على رسوخ علاقتنا الاستراتيجية، وعلى الثقة الكبيرة التي تحظى بها قيادة دولة الإمارات في المحافل كافة، باعتبارها حليفاً موثوقاً ووازناً، وشريكاً رئيسياً في الجهود الدولية لمواجهة التحديات المرتبطة باستقرار المنطقة، وفي جانب آخر أظهر الهجوم الإرهابي بصورة واضحة الدول الصديقة التي يمكن التعويل عليها، والشركاء الذين بالإمكان الاعتماد عليهم وقت الأزمات ومواجهة التحديات، إذ كانت ردود الفعل والإجراءات المتخذة من الدول المختلفة متفاوتة في قوتها ومستوياتها.
كما أثبت الحدث الإرهابي الذي تعرضت له دولتنا عمق رؤيتنا، وقراءاتنا الدقيقة لخطورة الأفكار المتطرفة، وعزز من القناعة بأهمية العمل الدولي المشترك لمكافحة الإرهاب واجتثاثه تماماً، فهذا الوباء الذي ابتُليَ به العالم لا يمكن التعامل معه واحتواؤه، بل على الجميع التعاضد والتعاون لمواجهته، وتجفيف منابعه الفكرية، ومصادر تمويله، وعدم السماح لمعتنقيه بالسيطرة على مقدرات الدول والشعوب، فلا استقرار ولا ازدهار ما دام هذا الشر يعيش وينمو في مناطق عدة من عالمنا، خاصة في منطقتنا.
أما بخصوص الميليشيات الإرهابية التي تجرأت على استهداف بلادنا، فقد أرسلت الإمارات رسالة حازمة من خلال الإجراءات التي قامت بها رداً على الهجوم الغادر والجبان، بأن لا تهاون ولا خطوط حمراء مع أي محاولة لتهديد أمننا واستقرارنا، وأن الإمارات ليست في وارد الوقوف مكتوفة الأيدي ضد كل من تسول له نفسه المساس بسيادتنا الوطنية، ولعل الأحداث الراهنة في المنطقة، تثبت لنا أهمية مركزية الدولة الوطنية الصلبة والقادرة على حماية سيادتها ومنجزاتها وشعبها والمقيمين على أراضيها.
واليوم، ونحن نستذكر ذلك التاريخ، نتطلع بكل ثقة إلى المستقبل، فقد أثبتت بلادنا أنها تقف على أسس صلبة، ولديها من القدرات ما يُمكّنها من المُضي قدماً في مسيرتها ونهضتها، وفي الوقت ذاته، علينا أن نتأمل ذلك التاريخ واستنباط العبر والدروس منه، لترسيخ وتعزيز قدراتنا ووعينا الجماعي، لمواجهة التحديات وتجاوزها، لتبقى الإمارات بلد الأمن والأمان، وواحة للازدهار، ومكاناً لتحقيق التطلعات والطموحات.
كما لا بُد لنا أن ننظر إلى تاريخ 17 يناير باعتباره امتحاناً تجاوزته الإمارات بكل نجاح على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، امتحان يجعلنا أكثر قوة وحرصاً على حماية إنجازاتنا الوطنية، ولذلك لا بُد من تضمين هذا التاريخ في السرد الوطني لمسيرة الإمارات، لتعزيز انتمائنا إلى هذه الأرض الطيبة، وترسيخ أهمية الاستعداد والتضحية من أجل الوطن والدفاع عنه.
وفي الختام، فقد كان الهجوم الإرهابي مدعاة لتعزيز وترسيخ الانتماء للإمارات والولاء لقيادتها، فالأوطان لا تُبنى بالنجاحات والإنجازات فقط، بل بقدرتها على إظهار قوة إرادتها وصلابتها وتوحدها في مواجهة التحديات والأزمات، وهذا ما نجحنا فيه، فقد أظهرت بلادنا أفضل ما فيها على الصعد والمستويات كافة.
*المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة