للذاكرة الإماراتية نقول: استذكِري على الدوام الـ17 من يناير 2022، واسبري أغواره، فستجدين فيه معدن رجال، ودولةً أبيَّةً تأبى إلا أن تمضي شامخة نحو المستقبل.
لطالما ظلَّت الذاكرة الجمعية للدول محتفظةً بتواريخَ فارقةٍ في مسيرتها. وفي وطن الإنجازات تزخَر الذاكرة الجَمْعيَّة للإمارات بوقفات في تاريخها المشرق، كالثاني من ديسمبر، اليوم الذي جمع القلوب المتآلفة، وفي الثلاثين من نوفمبر نقف جميعاً اعتزازاً بشهداء الوطن.
تحتفظ الذاكرة الجمعيَّة للشعوب أيضاً بوقفات تاريخية حملَت تحدياتٍ ومخاطرَ، تستدعيها لأخذ العبر، واقتناص الدروس، ويأتي الـ17 من يناير كوقفةٍ من عُمر الذاكرة الإماراتية بنموذجها التنموي الرائد في مواجهة قوى الظلام، يترجمها حديث سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حين قال: «التحديات التي تواجه الدول مستمرة... والدولة التي تريد أن يكون لها مسار مثل مسارات الدول المتقدمة، عليها أن تتجاوز الصِّعاب والتحدِّيات الكبيرة».
فبعد خمس سنوات من انطلاق «عاصفة الحزم» انتقلت الاستراتيجية الإماراتية من استراتيجية الاقتراب المباشر -التي نفَّذتها القوات المسلحة وأسفرت عن تحرير 90 في المئة من الأراضي اليمنية، وتدريب 200 ألف جندي يمني- إلى استراتيجية الاقتراب غير المباشر، والالتزام بدعم التحالف العربيِّ في العمليات الجوية ومكافحة الإرهاب، وتوالي الخسائر التي تكبَّدتها جماعة الحوثي الإرهابية، جاء يوم 17 يناير ليشهد أول هجوم مسلَّح يستهدف الإمارات بشكل مباشر، نفَّذته جماعة الحوثي الإرهابية، وأودى بحياة ثلاثة من الجنسية الآسيوية، وإصابة آخرين.
سعت هذه الجماعة الإرهابية من وراء هذا الهجوم الغاشم إلى ثَنْي دولة الإمارات عن أداء دورها الإقليمي في مواجهة الإرهاب، وخلق سَردِيَّة بأن دولة الإمارات لم تعُد دولة أمن وأمان، وتوجِب على الشركات الأجنبية والعاملين فيها مغادرتها، فهل تحققت مآربها؟
إن حديث صاحب السمو رئيس الدولة، الذي أشرنا إليه سابقاً، مضافاً إليه حديثا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «الأزمات تلِد الفرص، وتولِّد عزيمة التحدي لدى الإنسان»، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة: «من المهم أن يتذكر أبناؤنا على الدوام أنهم أبناء وطن الإرادة وتحدي المستحيل» يتجلى معهما تعامُل الفكر الإماراتي مع هذا الحدث.
فالمدرَك الشعبي (مواطنين، ومقيمين)، أظهر في الـ17 من يناير حالة من التعامل بمنهجية وطنية متميِّزة، فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً لمواد يوظفها الإعلام المغرض، بل حالة من التعاضد والتكاتف، وهو أمر ليس بغريب، ويؤكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله: «نحن يا إخواني محظوظون بهذا الشعب العزيز، شعب أثبت، قبل الاتحاد، وبعده، وفي كل المراحل الصعبة التي مرَّت بنا، أصالته، وإرادته القوية على تجاوز التحديات..».
أمَّا على مستوى القيادة، فقد أكدت عدم مرور هذا الاستهداف الآثم دون عقاب، والمضي لتعميق التحالفات الخارجية، وتوسيع دائرة التعاون الدولي، وتعزيز القدرات الدفاعية. لقد أثبت الـ17 من يناير مدى فعالية الدبلوماسية الإماراتية خلال 50 عاماً، حيث ظهر معه حجم الإدانات على مختلف المستويات، كما بيَّنها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، بوضوح، مؤكداً أن «العالم وقَفَ مع الإمارات، وبلغت الإدانات أكثر من 153 إدانة حول العالم».
والآن وبعد ثلاث سنوات من الهجوم الإرهابي الغاشم، هل حققت هذه الجماعة الإرهابية أهدافها؟ الأرقام تتحدث بلا شك، فالناتج المحلي الإجمالي قفز أكثر من 12 في المئة، وبدلاً من هروب الشركات ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من 10 في المئة، وباتت دار زايد السادسة عشرة عالمياً في جذب الاستثمار، وتبوأت المركز الخامس بين أفضل الوجهات السياحية العالمية، فضلاً عن ارتفاع عدد المقيمين في الدولة باطِّراد واضح عاماً بعد عام، والأرقام كثيرة ولا يتسع المقام لها. الإمارات الآن أكثر استعداداً، وأكثر قوةً وصلابةً وإصراراً للمضي في الإيفاء بواجباتها تجاه المجتمع الدولي، ومواجهة قوى الظلام.
ستظلُّ التحديات قائمة، وستكون الإمارات حاضرةً أكثر من أي وقت مضى لمواجهتها، ولسان حالِنا يقول:
ولولا جمرٌ على رأسِ مَبخرةٍ
لَمَا بدا طِيبَ العودِ مَعدنهُ