يأتي رمضان محملاً بشعائره ومشاعره وإشعاراته، يأتي هذا الصيف النبيل، بالسندس والاستبرق، يأتي متخففاً من أزمنته، يأتي معطوفاً على زمن الإنسان الذي يستقبله بحفاوة وتكريم وتقدير، يستقبله بقلب منفتح على الدنيا، منشرح في الحياة، يكتسي ملامح الفرحة والابتسامة الشائقة. ولكن للمرأة طقوسها وفنها وحلمها، وترنيمتها وهي تستعد لأيام لها رونق مختلف ولها لون مميز، ولها نهار مضاء بأحلام صغار وهم ينتظرون المغيب، كما لليل مهارته في تشذيب المشاعر، وتهذيب الابتسامات، ببراعة ملهمة، وعبارة غنية بالذكاء الفطري. 
الأم في رمضان هي مركز الدائرة، وهي ثيمة الرواية، وهي موجة البحر التي تمشط السواحل بأنامل مدماة بلون الحناء، الأم هي سجايا النخلة، وهي فضيلة الغيمة الممطرة، الأم هي المنطقة الدافئة التي تنحني لها الرؤوس، وترضخ لها الهامات، الأم هي المكان الذي تلوذ إليه الأرواح كي تستريح من تعب وسغب ونصب وصبابة وصبوة وصبيب. 
في رمضان، تبدأ القريحة الأنثوية تنسج خيوط اليوم الرمضاني، وتغزل خيوط الحرير في البيت، وأفراد الأسرة يتطلعون بشغف إلى ما تبديه وما تعيده هذه الأنثى العريقة، هذه الكينونة العملاقة، هذه النجمة التي تتوسط سماء الأسرة، وتبدأ في كتابة أول قصة لها مع أول يوم رمضاني، أما أفراد الأسرة، فهم هوامش لكتاب تكتب عليه ملاحظات ما يتكثف عند محيط تلك الأنثى التي علمتنا كيف نبدأ في تناول أول لقمة، وكيف نسبق فردة التمر، قبل أي مضغة، علمتنا كيف نكتفي بشربة ماء ثم نبدأ في تناول الإفطار على مهل، ومن دون نهم، ولا شره، وتؤكد دائماً، أن الإفطار بتمرة وكوب لبن، يكفي لينهض الجميع لأداء صلاة المغرب، ومن ثم يستطيع كل من أفراد الأسرة أكل ما يريدون، وقد أعدت هذه الأميرة الأصناف والأنواع من الطعام. وهي تدير الدفة بإمعان ودراية وفطنة وحكمة، هي تقوم بدور النوخذة في البيت، والبعل يراقب ويتمعن ويتفحص ويتمحص، ويهتم كثيراً في التفاصيل التي تجري على محيا أميرته، وكلما اصطدمت نظراتهما في موقف معين، كلما ألقى البعل ابتسامة بحجم المحيط، تغرق فؤاد الأم، تغسل شغافها بملح وسكر. لا شك في أن الاحتفال بالأم هو احتفال بالوجود، هو احتفاء بالسماء والأرض، هو انتخاب للحقيقة، عندما تكون الحقبة امرأة لها عين كأنها النجمة، ولها أنامل كأنها الأهداب تشع عند قرص الشمس. 
لا شك في أن الأم كون في حد ذاته، إن حضرت امتلأت الدنيا نوراً، وإن غابت تنطفئ عيون النجوم، وتتوارى الشمس خلف ملاءة داكنة. لا شك في أن الأم هي السيمفونية التي تعزف للعالم لحن الفرح، وهي الأغنية التي تترنم بها الأطيار، وهي القصيدة التي يكتبها المطر على صدر الأرض، لتنتعش الأزهار، على شفتي حسناء من سلالة بشرية معظمة، لا شك في أن الأم لها مساحة متفردة في ضمير الكائنات، من طير وشجر، وبشر، ولا تنجب الأرض أعشابها من دون أنفاس امرأة، مرت من طرف مشاعر رجل، قد يكون زوجاً أو ابناً أو أباً أو أخاً، فكل هذه القلوب تتدفق حياة، بوجود امرأة لها سمات الأم الرؤوم.