نامت الصغيرة قبل أن تشارك أسرتها طعام السحور، ولما حاولت أمها إيقاظها أبت إلا أن تواصل رحلتها في النوم، مستنشقة نسيم الليل المتسرب من خلال نافذة غرفتها المشرعة على السماء الزرقاء. في تلك الليلة فضلت أن تجرب النوم من دون دوي المكيف.
لم تدرك أمها أن الفتاة تقوم بتجربة فيزيائية، على مدى قدرة الإنسان على تحمل الأجواء الطبيعية في وجود المكيفات الكهربائية، ولكنها لم تقم بردة فعل تجاه تصرف ابتنها، بل خرجت من الغرفة، تاركة الباب موارباً لعل ابنتها تحتاج إلى شيء ما، كما أنها توجست لسلوك ابنتها؛ ولذلك احتاطت لأي طارئ، وكان وجودها بالقرب من غرفة ابنتها من دون غلق باب الغرفة، ستكون مطمئنة أكثر، ولبثت هكذا تترقب، وتترصد. ولما أطلت من فرجة الباب، لمحت ظلاً يتحرك داخل الغرفة فاقتربت، ثم دلفت، ثم توقفت عندما رأت ابنتها بخير، وكانت رافعة رأسها إلى السماء وفي يدها زجاجة ماء تدلقها في فمها المفغور على آخره.
لم تنبس الأم ببنت شفة، بل ظلت صامتة، مبهوتة من فعل ابنتها، فهي لم تتعود الإفطار وهي في سن صغيرة فكيف الآن وقد بلغت سن الثانية عشرة، ولما انتهت الفتاة من ملء معدتها بالماء، تركت الزجاجة في الثلاجة، واتجهت ناحية السرير، ولما لم تشعر بوجود أمها بالقرب منها، ولما لم تجد الأم من رد فعل لوجودها، صاحت بصوت تستطيع من خلاله تنبيه ابنتها، ولكن الفتاة ألقت بجسدها على السرير، وسحبت الملاءة، وغطت وجهها، بالكامل، مما أدهش أمها. فدنت من السرير، وجذبت الملاءة، ونهرت ابنتها بصوت زاجر، وقالت هل ملأت معدتك بالماء؟ ثم أردفت، ألا تعلمين أن اليوم رمضان، والناس صائمون؟ وثبت الفتاة، وقد زاغ بصرها، وارتجفت يداها، واعتدلت في جلستها، مسندة ظهرها على عارضة السرير المخملية، وظلت تمسح وجه أمها بنظرات الذهول، وقالت لأمها صدقيني إنني فعلت كل شيء دون أن أعلم ماذا أفعل، الآن فقط انتبهت، والآن علمت بوجودك بالقرب مني، حينها تراجعت الأم عن ظنها الذي لم يكن في محله، واقتربت أكثر من ابنتها، ومسحت على رأسها، وتأكد لها أن ما قامت به ابنتها، ليس إلا تنفيذ لحلم ليلي، وهو ما يطلق عليه «المشي أثناء الحلم».
وفكرت المرأة، وأيقنت لأن ابنتها في تلك الليلة لم تحضر مائدة السحور، فكان العقل الباطن يقظاً ومستعداً لأن يلبي حاجة معدة الفتاة، فأيقظها لتتناول جرعة ماء تروي بها ظمأها النهاري.
جلست الفتاة ولم يزرها النوم، وعيناها تغرورقان بالدمع، وقررت أن تستمر في الصوم. وترك هذا الحدث بمرارته، وحلاوته، بصمة في ذاكرتها، تحمل لونين أحدهما باهت، والآخر زاهٍ.