مر يوم الجمعة بتاريخ 21 مارس الذي خصص ليكون يوم عيدك وعيد كل الأمهات. لكني حين استيقظت لأحتفل بعيدك لم أرك بجانبي، رغم أن كل وجودك كان عيداً في كل يوم وعام. فكيف حين استيقظت لم تشرق على يومي شمس نورك، وإشراقة ابتسامتك حين ترددين ما حفظت من قصائد الأولين، التي بقيت كالنقش في ذاكرتك لم تمحها السنين. فانهضي يا أمي، كفاك نوماً في التراب منذ 13 عاماً!، وأنت التي كنت لا تحبين ذرة غبار في (شيلتك وكندورتك وسروالك)!، آه.. ما زلت أتذكر كيف كنت تجبرينني على نفض ملابسك قبل أن توافقي على لبسها. ولا تكتفين بتأكيدي لك أنني غسلتها وكويتها. وأنت ترين أنها مكوية ومطوية جيداً، لكنك وسواسية يا أمي. هكذا أقول لك فتبتسمين وتصرين على نفضها وتشمينها، لكي تتأكدي أنها خالية من رائحة الغبار. فكيف رضيت بالتراب يا أمي!؟، انهضي لأرشك بعطر العود والعنبر الذي تحتفظين به دائماً، وتنتقدين عطورنا الحديثة وترددين (ما فيها ريحة زينة.. اللا يقصون عليكم.. ريحة دهن العود والعنبر والمسك هي العطور الزينة)، وها هي عطورك ما زالت على طاولة مرآتي يا أمي. وها ملابسك المطرزة بالزري تبث رائحة عطرك في خزانة ملابسي. لم أحتمل توزيعها وحتى خزنها في الحقائب. كنت لا ترضين إلا بأجمل الملابس وأرقها وأنظفها. فكيف رضيت بالكفن الأبيض الخالي من كل نقش وتطريز رغم العطور التي يرش بها؟، انهضي يا أمي فأنا وحيدة في بيتك الذي لم يعد حضناً حانياً لي بعد حضنك. انهضي وهدهديني بكلماتك العذبة كلما استشعرت الوحشة، وأقلقني الزمان وشطت بي الحياة: (حبيتج يا بنيتي محبة الأهل والأغنى، ومحبة الضنى ما دونها دون/ حبيتج يا بنيتي محبة تدعي الملح شكر، وتدعي عويدات الثمام قرون)، فأرتخي وأنام وأحلم أنني نائمة في فيض حضنك المكتنز بالمحبة والرأفة والحنان. انهضي يا أمي كفاك موتاً وكفاني وحشة وحزناً. انهضي فقد استوفى الموت دينه منك ومني. استيقظي فالنوم الطويل لا يليق بك فقد تعودت اليقظة حين النهار يشرق بحضورك، وتعودت التيقظ الدائم حين كنا صغاراً في المهد. انهضي يا أمي واهتفي معي في هذا الزمن الذي أصبح الموت فيه يصول ويجول دون اكتراث لحزن أم وفقد ولد: (نحن الأمهات لا نريد الحروب والدمار والقتل/ نريد ناراً للرغيف وطلقاً بهيجاً للولادة)!!.