للعرب قصائد كتبت بماء الذهب، وعلقت في أسواقهم، وعلى جدران مكة والكعبة، وما ذاك إلا اعتزاز بقيمة الكلمة وسمو الشعر، وما يحمل من معانٍ نبيلة، وقيم سامية، فسميت المذهبات والمعلقات والسموط والطوال، وقد اختلفوا في عددها هل هي سبع أم ثمان أم عشر، ولديهم القصائد الحوليات، مثل قصائد زهير بن أبي سلمى، الذي يظل ينحت في قصيدته حولاً كاملاً، ولديهم القصائد اليتيمة، وتسمى يتيمة الدهر، حيث لا يذكر لقائلها قصيدة تماثلها، فهي مثل بيضة الرُخ، ولكن هناك قصائد اشتهرت بسبب موقف معين مثل قصيدة المتنبي «الدينارية» التي تقاضى عنها ديناراً رغم أنها من عيون القصائد، وقصيدة كعب بن زهير «البردة»، وقصائد عرفت بقافيتها كالنونية المنتهية بحرف النون، لكن أجمل القصائد هي ما اتسمت باللاميات، ذات القافية المنتهية بحرف اللام، وتعددت في شتى العلوم والمعارف، فعرف العرب لامية الفرائض الحنفية، ولامية العقيدة لابن تيمية أو المنسوبة له، ولامية الصرف لابن مالك، لكن ما مجده العرب من لاميات الشعر المشهورة عندهم فهي؛
- لاميّة أبي طالب:
خليليَّ ما أُذني لأوَّلِ عاذلِ
بِصَغواءَ في حَقٍّ وَلا عِندَ باطِلِ
صَبْرتُ لَهم نَفْسِي بِسَمْراءَ سَمْحَة
وأَبْيَضَ عَضْب مِنْ تُراثِ المَقاوِلِ
- لاميّة السموأل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكلّ رداء يرتديه جميل
تعيرنا إنّا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
- لاميّة الأعشى:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
- لامية الشنفرى:
أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم
فإنّي إلى قوم سواكم لأميل
وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَـزَّلُ
- لاميّة ابن الوردي:
اعتزل ذكرى الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرى لأيام الصبا
فلأيام الصبا نجم أفل
- لاميّة كعب بن زهير:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
لاميّة الأخطل:
بانَت سُعادُ فَفي العَينَينِ مَلمولُ
مِن حُبِّها وَصَحيحُ الجِسمِ مَخبولُ
فَالقَلبُ مِن حُبِّها يَعتادُهُ سَقَمٌ
إِذا تَذَكَّرتُها وَالجِسمُ مَسلولُ
وَإِن تَناسَيتُها أَو قُلتُ قَد شَحَطَت
عادَت نَواشِطُ مِنها فَهوَ مَكبولُ
لاميّة المتنبي:
لَيَاليّ بَعْدَ الظّاعِنِينَ شُكُولُ
طِوالٌ وَلَيْلُ العاشِقينَ طَويلُ
يُبِنَّ ليَ البَدْرَ الذي لا أُريدُهُ
وَيُخْفِينَ بَدْراً مَا إلَيْهِ سَبيلُ
لامية أبي العلاء المعري:
ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل
عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِل
أعندي وقد مارسْتُ كلَّ خَفِيّةٍ
يُصَدّقُ واشٍ أو يُخَيّبُ سائِل
أقَلُّ صُدودي أنّني لكَ مُبْغِضٌ
وأيْسَرُ هَجْري أنني عنكَ راحل
لاميّة المقري:
زيادةُ القولِ تَحكي النقصَ في العملِ
ومنطـقُ المرءِ قد يَهديهِ لـلزَّلـَلِ
إنَّ اللسانَ صغيـرٌ جِـرمُـهُ ولَهُ
جرمٌ كبيرٌ كما قد قـيل في المَثَـلِ
فكم ندمتُ على مـا كنتُ قلتُ بـهِ
ومـا ندمتُ على ما لم أكـنْ أقـُلِ
- لاميّة الصفدي:
الجدّ في الجدّ والحرمان في الكسل
فانصب تصب عن قريب غاية الأملِ
وأن بُليتَ بشخصٍ لا خلاقَ له
فكن كأنك لم تسمع ولم يَقُلِ
- لاميّة الطغرائي:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
- لاميّة شيخ الإسلام ابن تيمية:
ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي
رزق الهدى من للهداية يسأل