أقول لكم قمصان «الفرساتشي» الحريرية، والتي تشبه ألوانها «باصات مانيلا»، ما أعتقد أحد منكم راوى عياله صوره بها، ولا صور ملابس «بانكوك وبتايا» في الثمانينات التي نستهلكها في إجازة أسبوع على السريع، ونشتريها من أول دكان يصادفنا، المهم.. حَزّة السفر، يكون الواحد منا قد تجهز وتعدّل وسنّع عمره، وكأنه عريس، حلاقة و«سيشوار»، وتنظيف بشرة بطريقة بدائية، ونلبس جديد الثياب، وبعضنا حتى ينسى «نمرة» الجاكيت أو القميص، كنا ننتقي ملابس التأنق، بغية التألق، لا ملابس الراحة، وما يناسب فصول السنة، وهذا مرده إلى أيام السفر الأولى، وبداية معرفتنا بالسفر إلى الخارج.
ومرت علينا سنوات، كانت موضة الجاكيتات المخططة «الكاروهات» هي السائدة، وعفدّنا فيها مع ذيك «الكشيش» والسوالف «الخنافس والعقارب» والقميص المفتوح، مقلدين الممثلين الهنود، وما كانوا يستعرضونه من ملابس طوال الفيلم، ولم نكن نعرف يومها لِمَ كان أبطال سينما بوليوود يغيرون ملابسهم كل دقيقة؟ كانت جزءاً من إعطاء المشاهد الفقير أحلامه الكثيرة والملونة بخصوص الملابس التي لا يقدر على شرائها، والأسفار في مدن العالم التي لا يقدر على زيارتها، كانت السينما الهندية مصنع أحلام للفقراء.
ومع تفتح الذهن، واكتساب خبرات السفر، وزيادة سيولة المال، أصبحت مشترياتنا من خلال أسفارنا، وتنقلاتنا، وعرفنا المحلات الراقية، وبدأنا نتخلص من ربطات العنق تلك التي تشبه ربطتها رأس السنور، وبعد أن نامت على صدورنا بألوانها وأشكالها ولمعتها الحريرية الكاذبة، حتى بدأ كل شخص وأسلوبه في اللبس والتأنق، وقد حافظ جيل الطيبين على شيء مهم طوال حياتهم وما يزالون، وذلك أنهم لم يعرفوا لباس «الهتلية»، والأقمشة الممزقة، بل جلهم كان يسعى لاكتساب أناقة بشكل ما، حتى أولئك الذين يرفعون حزام البنطلون إلى ما فوق البطن، ولا يعرفون إلا القميص الأبيض المحايد، نظل نحترم وجهة نظرهم.
كنت في الثمانينات أتعجب كيف يبيعون البدلة الصوفية بعشرين درهماً، وهي بدلة جديدة ومحترمة، حدث هذا في زياراتي الأولى للقاهرة ودمشق، ودول أوروبا الشرقية، مثل بولندا ورومانيا وحتى الاتحاد السوفيتي، وكنت أقول لو أنني البائع وتلقيتها هدية، وتطلب مني فقط أن أزينها بأزرار كانت ناقصة، ما بعتها بعشرين درهماً، نحن الخياط يقصرّ لك بنطلونين ويأخذ أكثر من عشرين درهماً!
في ذاك الزمان كانوا ينصحوننا أن لا نلبس ملابسنا الوطنية، لأننا سنكون هدفاً في عيون الكثيرين؛ الطامع والضاحك والمندهش والسائل، فكنا نتجنب ارتداءها في السفر لأنها محط أنظار الكل، ولا تليق بالأماكن التي يرتادها البعض، لأن ما في عيد مثل الحشر مع الناس، ولا أحد يعرف عبّاس من خمّاس في تلك الديار البعيدة التي كنا نتعنّا من أجلها تأنقاً وتألقاً.