في حديثه عن تذكر الأصحاب، يسلط صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله الضوء على بقعة نائية في العقل، معتمة عند البعض، ومضيئة عند الآخر. 
وفي هذه الإشارة الوجدانية الجميلة، في هذه الومضة النبيلة، نشعر أن سموه، وفي ظل السرعة الفائقة لقطار الحياة، يحاول أن يستدعي فينا الذاكرة، يحاول سموه أن يستدرج تلك الذاكرة للحضور فوراً، والجلوس على طاولة الدرس الأول من حياتنا، ذلك الدرس الذي مرَّ عبر قنوات العمر، وبعضنا طواه، وحث عليه الرمل، وتولى، وأدبر، وعاش حياة اللهوجة في دروب العمر، وكأن شيئاً لم يكن، ولم يحدث، ودخل في صلب الغيمة، وتوارى خلف حجب النسيان، وتجاهل تلك الصور، تلك الوجوه التي كانت في يوم من الأيام هي البارق الذي يحلب ضرع الغيمة، ويستجلب منها النث العذب.
شذرات من نور يبثها سموه في وجداننا، وقطوف من عناقيد زمن، وحبات زمرد من سلسال كان في وقته يطوق أعناقنا بالحب، ويصافح عيوننا بلبيب المشاعر المبهجة، ولكن بعضنا يحتاج إلى إعادة شريط الحلم، ففي الذكرى منفعة، وفي دق النواقيس شفاعة للنفس، وإحياء للروح، ويقظة للعقل، وفوق كل ذلك، رفع النشيد عالياً، ليسمعه من به صمم، ومن تعطلت لديه آلة الذكرى بعد أن غاصت في حمم بركان الزمن، واستعصى علية سحب الملاءة عن جسد النائم، لينهض، ويذهب للدرس قبل أن يفوت الأوان.
 في هذه الترنيمة، في هذه النغمة الحية، يهمس سموه في الآذان، ويقول تذكروا أصحابكم، تذكروا أحبابكم، فالذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان، الذكرى نقش على صفحات دفتر الأيام، الذكرى فتح من فتوحات الضمير، لقارة الروح، كي تستعيد قراءة قصة العلاقة بين الإنسان والإنسان، والتي هي ميسم النمو والارتقاء بمشاعر تحتاج دوماً إلى تشذيب أوراقها الصفراء وتقليب التربة تحت جذورها، حتى تستمر الشجرة في النمو الطبيعي، حتى تسمق الأغصان، وتبسط الأوراق سجادتها الخضراء في غرفة الفضاء الوسيع. حقيقة كلمات من وهج قلب كبير صاغها سموه، ولامست نياط القلب، وأيقظت حشداً من صور، كانت تحت رمال الذاكرة شبه جثامين، وعندما أصبح الإنسان على هذه الأجراس وهي تطرق الآذان، توجه نحو المرآة، وتوقف هناك، حيث أثمد الحياة، دمعة خرت، وأحصى مرود العين عدد الرموش التي سقطت، وعدد الصور التي تلاشت، وفجأة وثبت كأنها الجياد في رحلة السفر في دياجير العمر.