ساءني خبر تناقلته وكالات الأنباء عن إلقاء القبض في المدينة التركية المشهورة بكبابها اللذيذ مؤخراً على سيارة نقل تزن الأطنان من لحوم الحمير، فتذكرت كم لهفت من كباب تلك المدينة الجميلة بأثر رجعي، ومرة.. كنت أستمع لإحدى إذاعاتنا في برامجها المنوعة، وفجأة صدمتني المذيعة التي كانت تعتقد أنها تصنع حُسناً، وتتأنق في حديثها الرفيع بعبارتها الزائدة، وجملتها غير المفيدة بشأن ذاك الحيوان الجميل الذي ما إن أدخل أي مدينة وأجده يمشي في طرقاتها الرملية يتبع ظله أو تراه العين يبحث في دروبها عن أي شيء، ولو كان هدفه البعد عن الضجر، وعن الأذى، ومن أجل أن يفرح نفسه بمشيه فقط، إلا أيقنت حقاً أن الحياة ما زالت جميلة وبسيطة، وما زال فيها شيء من الطيبة والخير الكثير، هكذا يمكنني أن أقرأ مشهد الحمار «أبو صابر» والحمارة «أم نافع» في القرى أو المدن الصغيرة أو في الأرياف كصديق مخلص للفلاحين.
موقف المذيعة غير الحضاري تجاه هذا الحيوان الأليف الذي لم يؤذ الإنسان -بقدر ما أذله الإنسان واستحقره دون أي سبب- استفزَّني، بعكس تلك المرأة الأوروبية التي حين رأت مرة صاحب الحمار يضرب الحمار بعصا غليظة قررت الهجرة من ذاك البلد وعدم العودة إليه مرة أخرى، كانت مذيعتنا تتحدث عن الحيوانات، وكانت تتفاخر حين تنطق الأسد والنمر والنسر والذئب والثعلب والضبع، وحين وصلت إلى الحمار قالت: أكرمكم الله! ولا أدري لِمَ خجلت من أبي صابر هذا الحيوان الدهري الذي رافق الإنسان منذ أن وطئت قدمه الأرض؟ ولِمَ هذا الخجل والاستحياء من ذكره، وتكريم وجه الإنسان السامع والمشاهد؟ لِمَ لم تخجل المذيعة من النسر الذي يأكل الجيف، ولا من الضبع ناكر الجميل أو الثعلب الماكر، ولا من الأسد الكسول ذي البخر، ولا الذئب الغدّار، وحده الحمار حطت من قيمته، دون أي ذنب اقترفه، وقد حاولت أن أتقصى من أين جاءت عبارة «كرّم الله وجوهكم، أو أكرمكم الله» عند ذكر اسم الحمار والكلب، وهما من أوفى الحيوانات إخلاصاً وتفانياً في خدمة الإنسان منذ قديم الأزل، هناك مقولات تخص نجاسة الكلب ولكنها غير مثبتة، ولا يمكن تفسير ما كان يقصد حفظة النص حين يقرنون الإنسان وخاصة المرأة معه في بطلان الصلاة أو غيرها من الأمور الخلافية في الموروث الديني، لكن الحمار الذي مجّده الأدب والشعر والثقافات العالمية، وذكرته الأديان المختلفة، وورد في القرآن في العديد من الآيات، لم أجد نصاً صريحاً يخص نجاسته والتقليل من شأنه، وتكريم وجه الإنسان السامع حين ذكر اسمه، ولمَ تعد كلمة حمار أو حمارة مسبّة في معظم ثقافات العالم باختلاف مسميات الحمار.
ولا أدري موقف هيئات الرفق بالحيوان في العالم، والجمعيات التي تهتم بالحيوانات الأليفة والتي رافقت الإنسان وخدمت الحضارة الإنسانية، إننا نحمل في ثقافتنا هذا التحيز، والتمييز «العنصري» الحيواني أو التنمر، ونعلنها ليس فقط في حديث الناس، بل في وسائل إعلامنا التي من أولى مهامها تعزيز المفاهيم القيّمة في عقول النشء، وليس منها بالتأكيد ذلك الحقد تجاه حيوان صبور وجميل ولا يشكو من تعب أو كسل تجاه ما يناط به من أدوار ليجعل حياة الإنسان أكثر راحة وسهولة ويسراً، ويقابله الإنسان الجاحد بتلك العبارات التي صبّتها عليه المذيعة، ويصبها الآخرون بالتوارث والتقادم، ويريدون أن ينقلوها إلى عقول الأجيال الجديدة التي لا تعرف تضحيات أبي صابر، ولا أم نافع، ولا تعرف قيمتهما الحقيقية في حياتهم الجديدة، ومع ذلك يريدون منهم أن يتبعوا ذكر اسمه بكلمة: كرّم الله وجوهكم أو أعزكم الله!