منذ البدء، ومنذ أن فتحنا عيوننا على الحياة، فالإنسان في الإمارات يعمل بطاقة الضمير الإنساني المفعم بحب الآخر، المزدهر بشذا العلاقات المتآخية، الزاخر بموروث ثري غني بمعاني الانتماء إلى فصيلة المشاعر ذات العناقيد المتعانقة.
في الطفولة كانت الأفنية مفتوحة على المدى، والجدران منطوية على أصوات الجارات وهن يتبادلن أناشيد السؤال عن الحال والمآل، وكانت الأزقة الرملية منسوجة من عطر العباءات المفرودة كأجنحة الطير تحلق في الزوايا والأطراف، والحديث الدائم التكرار عن صحة هذه الجارة ووضعها العائلي، وعلى الرغم من سفر أرباب الأسر إلى خارج القرية أو المدينة إلا أن النساء كن ينعمن بتضافر الجيران وتضامنهم وتعاونهم وسؤالهم الدائم عن الحاجة، الأمر الذي كان يجعل الحياة تسير كسير السفن في البحار الساكنة، وما امرأة لها حاجة في النفس إلا وتجد التلبية حاضرة والعون عصا الركائز على الأرض، فلا تقع قامة ولا تنحني هامة، لأن الجميع يعملون في خلية واحدة، والخير سباق في بناء أحلام السعادة، والطمأنينة تملأ القلوب، ولا إحساس بالغربة، ولا تفكير بماذا يضمره الغد، لأن القلوب مفتوحة على الحاضر والماضي يفتح صفحاته بيضاء من غير سوء، أما المستقبل كان كشراع يرفرف في الأفق، يمنح الجميع دفتر التفاؤل، ويكسبهم حلم الطفولة، منقولاً عن رواية «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، قناعات ذاتية فطرية تملأ وجدان الناس، وتعلمهم كيف يعيشون الحاضر بحب صاف من دون تشققات الهواجس وأوهام «ماذا بعد» أو «هذا لا يكفي».
لذلك مثل هذه المصدات النفسية القوية كانت تخلق الطاقة الإيجابية لدى الناس، وتؤمن لهم قناعات بأهمية أن يعيشوا في بوتقة الحب، وأن تكون حياتهم سجادة من خيوط الحرير، وعلاقاتهم من مغزل رفاهية الوجدان المنعم بالبساطة وعفوية البناء الاجتماعي.
الحب وحده هو ترياق العمل الإنساني، هو وحده السند والسد والود في التعاون من أجل كبح جماح العوز وفقر ذات اليد.
كل هذه المشاعر الدافئة التي كانت تسكن بيوت العز والشرف لم تأت من فراغ، وإنما هي التربية والعلاقات الحانية بين أفراد الأسرة الواحدة، والتي تنتقل تلقائياً إلى العلاقات الأوسع بين الجيران الأقربين ثم الأبعدين، واليوم ونحن نعيش عصر الرخاء الاجتماعي بفضل السياسة الحكيمة التي تزرعها قيادتها الرشيدة في ضمير الناس جميعاً، نشعر أن ملاءة التضامن الاجتماعي تتوسع وتنتشر قماشتها على مساحة الإمارات كما تذهب بعيداً إلى العالم لتضمد جروحاً وتجسر علاقات.
كما أن لمؤسساتنا التربوية والثقافية الدور المهم في ترسيخ هذه الثقافة وتقوية جذورها وجعل فكرة التعاون في جوهر العملية التعليمية، لأنها الأهم في تكوين الشخصية لدى طلاب العلم.