دمية في رواية، تراها في شغف القراءة ما بين فصول الجمال، وآفاق بعيدة، تُغرَس عيناها في حروف الكتاب، في سكونها ترفرف، تجذب حول المقهى حضورها، لا يعنيها شغب الضجيج، أصوات تعلو وتخفت، ألفت العصافير المقهى، تحلق وترجو فتات نثرت بقاياه، فهذه الشقراء قارئة، ألهمتها طقوس قراءة الرواية، سحرتها بعمق حروفها حتى تشظى خيالها، وبدت وردة عطرها يفوح بالأريج، ناكفها ضوء، وبنسمات رف شعرها على وجنتيها، تجرها حروف الكتاب من مساء يشعل مهجة وهجها، وتوشوش همسات المقهى ما خبئ في النفوس، النادلات شبه فراشات، ساقيات القهوة، رواد المقهى في انجذاب، طلبة وطالبات ما بين قدوم وذهاب، يسكنهم فرح بالمكان.
أرخت القارئة رموش سحرها عجباً على طيف الكتاب، ومضى الصمت يختال حول الجمال، فما بدا حسنها على الملأ، بخفة ارتخت أصابعها، من لمسة صلب الدخان، يومض بطرف الشفتين، كأن لم يحتمل طراوة حسنها في القراءة.
قارئة ترويها رواية، بما كتب كاتبها من فكرة، تجسدت وعنونت في سحرها، تحف ابتسامها في جوف حروفها، أي جرم اقترف الكاتب بين فصول روايته حتى روتها هي بجمالها، المعنى في لب الرواية، يعزف صوتها، يتغنى في سكون المكان، يباغتها في ارتشاف فنجان قهوة سوداء مخضبة باحمرار.
لاحت بشعرها الأشقر وعادت بخصلاتها، بكفها تحجب حافة شعرها الطويل عن وجنتيها، قراءة ملهمة لفؤادها، مسها فرح، يهيم بها بهاء المساء، لم تعجل قراءتها، تقاسيم عزف الثواني تولج في سحر الحياة، تورد أفكارها وتبعث ثقافة.
قلبت صفحة الكتاب، تتلوى صفحة من لمع خاتمها، تستعجل شغفها وحريتها وربما صمتها يرسم لوحة فنية، لها ملامح قارئة تترصد الحروف بما تلوح في الأفق، ما جعل القراءة تهمس لها في أذنيها، في جوارحها، إلا أنها تاهت الحروف عن عشقها، ورست في قلبها قبل عقلها، مكمن إبداع الحياة وفطرتها.
تجود بهمسات صمت، صوتها الخفي على حافة التوهج، ضوء يمرر بهاء الحروف من انسجام ما بين روح القارئة الحسناء والكتاب.