برحيل الفنان الكبير ضاعن جمعة عنا يوم أمس، يطوي تاريخ المسرح والدراما في الإمارات صفحة مهمّة في مسيرته الحافلة بالإنجاز والعطاء والإخلاص، الذي وسم روح وشخصيات الفنانين الذين واكبوا قيام دولة الاتحاد، وكانوا الممهدين الحقيقيين لانتقال الفن الإماراتي من محدوديته البسيطة في المدينة الواحدة، الى رحابة الدولة الجديدة. وكان الراحل ضاعن جمعة من أوائل الفنانين الذين رهنوا أنفسهم لخوض تحدي المنافسة لظهور الفن الإماراتي بالشكل الأمثل، حيث قام بتأليف وتمثيل أوّل أوبريت مسرحي تم عرضه بمناسبة العيد الوطني الأول لقيام الاتحاد في عام 1972، وكان بعنوان «الغوص» ليكمل من بعده مسيرة طويلة مكللة بالتميز في المسرح والدراما.
تتلخّص في مسيرة ضاعن جمعة، مسيرة التحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة الثقافية في الإمارات منذ قيام الدولة، إذ كان يتعين على هؤلاء الفنانين أن يبدأوا من الصفر تقريباً. بمعنى أن الإمكانات كلها لم تكن تتوافر لهم آنذاك، فالساحة الفنية على مستوى المسرح والدراما لم تكن قد تأسست بعد إلا ببعض الأعمال التمهيدية التي ظهرت منذ الستينيات في بعض الأندية الرياضية والمدارس النظامية، وكانت تقتصر على مستوى الإمارة فقط. وبعد قيام الاتحاد كانت الطموحات والتحديات أكبر، إذ كان عليهم أن يعتمدوا على مواهبهم الفطرية وأن يقدموا فنّهم لجمهور أوسع وبإمكانات محدودة مادياً وتقنياً في ذلك الوقت، فكان الواحد منهم يكتب ويمثل وينقل المعدّات بسيارته، ويضطر إلى توصيل زميله من إمارة الى أخرى، وغيرها من التحديات التي تمكنوا من التغلب عليها بحب كبير لوطنهم وفنهم.
خلال فترة السبعينيات، استطاع ضاعن جمعة برفقة نخبة من ممثلي الرعيل الأول أن ينقلوا المسرح الإماراتي ليكون حاضراً على المستوى الخليجي والعربي، والأمر نفسه حدث في الدراما الإماراتية التي فضّلها ضاعن جمعة وذهب في مغامراتها إلى حد العشق، واستمر مبدعاً فيها على مدى 40 سنة وأكثر، وخرج بحصيلة ممتازة من الأعمال القوية التي قدم فيها أدواراً لشخصية الانسان الإماراتي بما يمتاز به من نظرة الى الحياة وبلهجة أصيلة وأداء تمثيلي محترم ومقدّر دائماً. كما شارك أيضاً في بعض الأعمال الدرامية الخليجية والعربية وترك بصمته المميزة فيها.
شخصياً، التقيت بالفنان ضاعن جمعة عدة مرات في خضم المناسبات الفنية والمسرحية والثقافية والدرامية، ولمست مثل غيري، روح المرح العالية التي امتاز بها وعكست رؤيته المتفائلة دائماً بالحياة. رحمه الله بقدر ما أعطى لوطنه ولعشاق فنه.