- قسماً بالله درجة الحرارة تكاد أن تصل إلى 38 في فلورنسا، وواحد لابس بدلة رصاصية ذات وبر صوفي واضح، مع ربطة عنق، لا هو محام ومتأخر على المرافعة في المحكمة الابتدائية، ولا مدير فرع بنك وطني مهم، ولا يعمل في سوق البورصة، وطرأ عليه أمر بدخول المدينة في تمام الساعة الثالثة ظهراً، يعني مهما حاولت أن تختلق له الأعذار والمسببات والتبريرات، فلن تقدر في ذلك النهار الحار بشمس أوروبا الحارقة، المصيبة إذا كان هو من السياح الذين تعرفونهم من جماعة «القيطان والتفصيل عند الترزي والسبكة» إذا ما حاول السفر إلى الخارج أو حتى المشاركة في مناسبة اجتماعية، والمشكلة الأكبر أن معه زوجته لا هي ناصحة، ولا ناقدة، ولا لديها وجهة نظر مختلفة، بدلة رصاصية وربطة عنق في شهر يوليو وفي مدينة إيطالية، «اسميك بتحرّ مكانه، وبتدعي عليه»، لأنه سبب رئيسي في حرّ هذا النهار!
- الخوف من ضياع التلفون أو نسيانه في مكان أو سرقته هو المشكلة التي تؤرق المسافرين، وتجد الواحد منهم ينتبه على تلفونه أكثر من عياله، ويصبح هاجس السرقة ساكناً في رأسه نهاراً، ويحلم به ليلاً، لأن الإنسان اليوم بلا هاتف أصبح مختل التوازن، معتل الخطوة، ولا يمشي ملكاً.
- ولا يوترك مثل واحد كلما تمشي شوي في أوروبا قال: أريد الحمام! وين تجيب له حماماً في أوروبا، وإذا دخلته حماماً بعد ذلك السؤال المحرج، لأنه ما يخصك في الموضوع، قال لك: حمامهم فيه وَهَفّ! طيب شو تريد مني يعني، قصورني تريدني أشارك في تعطيره وتعقيمه قبل أن تزف له، وإذا ترجيت ودخلته في مشرب، والحمام فيه على قد الشريبة، قال: ليش دخلتني «بار»، المهم مصاريف دخوله الحمام نتيجة عدم حبس السوائل تزيد على خمسة وأربعين يورو في النهار.
- يا أخي تتعجب من الإنجليزي بالذات، والأميركي بوجه الخصوص، كيف يمكن في الليل أن يتعشى عشاء رومانسياً مع تلك المرأة التي تحتار كيف اتخذته شريكاً، فكل المواصفات لا تتطابق، وأحياناً تود أن تعاتبها كيف ارتضت به شريكاً في هذه الحياة المعقدة، حتى تعتقد أنها ربما ابنة عمه «خليص»، وأنه لو أحد خطبها قبله لكانت صهللت أصوات البنادق، وفي الصباح وفي «ستاربكس» يطلبان قدحين من القهوة الأميركية، وكل واحد يحاسب عن نفسه، ويشخط «كرته»، فتنظر لأكتاف ذلك الذي استخسرته فيها، فإذا هي هزيلة، ولا يمكن لها أن تذبح ذبيحة لضيوف مفاجئين، وأنه أول الهاربين إذا ما «ألفوه خطّار تلايا الليل»!
- الذي يتأمل في أرجل المسافرين في المطارات يراهم يركبون أحذية أشبه بالمدرعات الصغيرة، غابت أناقة رنة الكعب الأنثوي الجميل، والحذاء اللامع للجنتلمان، كلها بلاستيك متحرك، ومطاط له وقع التمطق على الأرضية أو مصنوعة من النايلون وأشبه بزعانف الغواصين.
- يييه.. من تشوف ربيعك ركب له سماعات الأذن اعرف أنه ما عاد ربيعك الأولي!