غداً تعلن فرنسا للعالم كله، مولد الأولمبياد الثالث في تاريخ باريس عاصمة الأنوار، في ظرفية استثنائية بمتناقضاتها الغريبة، ما بين احتقان واجترار للخلافات والانقسامات، وما بين نبوغ للفكر الإنساني وهو يبدع بشكل سوريالي ما يتجاوز أحياناً حدود العقل، وهو ما سنشاهد بعضاً منه في حفل الافتتاح الأسطوري، الذي به سترفع فرنسا الستار غداً الجمعة عن النسخة 33 للألعاب الأولمبية الحديثة التي أبدعها البارون الفرنسي بيير دوكوبيرتان قبل 128 عاماً.
ولأن العرض الفني الفخم الذي يميز في العادة حفلات افتتاح الأولمبياد، ليكون تعبيراً إنسانياً وكونياً عن النبوغ الذي بلغه العقل الإنساني في تمثل الصور وصياغة الرسائل، فإن العبقرية الفرنسية، شدت عن المألوف، وهي تخرج بالحفل الافتتاحي من المركبات المغلقة إلى الفضاءات المفتوحة، والعرض الاحتفالي الذي أحاطته فرنسا بكثير من السرية، ليشكل ثورة في بنيات حفلات الافتتاح للتظاهرات الرياضية الكونية، سيرسل نيازكه وألوانه القزحية حول ضفاف نهر السين مستقر العجائب ومستودع الأساطير.
هذه الألعاب الأولمبية، إن كانت للرياضة محمية، وصوناً لكثير من قيمها النبيلة، فإنها ستكون عرضاً فاخراً، لجوانب العبقرية في صناعة البطولية والتميز، فسقف المستوى العالي سيزداد ارتفاعاً، وهو ما يصعب من مأمورية رياضيينا العرب في وضع بصمة قوية بدورة باريس، تفوق تلك التي تركها الأبطال العرب في دورة طوكيو قبل ثلاث سنوات، وهم يحققون 18 ميدالية، بينها أربع ذهبيات.
وقد كانت الألعاب الأولمبية لعموم الدول، الاختبار الفعلي لاستراتيجية العمل في المستوى العالي، خلال الدورة الزمنية الأولمبية، وبخاصة صناعة الأبطال، وتدل حصيلة العرب في الدورات الأولمبية الأخيرة على كبر المسافات التي تفصل بين رياضتنا العربية مجتمعة، ورياضة الدول الرائدة، والتي تعبر عن ريادتها بوجودها الدائم في صدارة ترتيب الميداليات الأولمبية.
ولو أن الرياضة باتت تحاكي المنطق العلمي والوضعي في اشتغالها، فلا تترك إلا مجالاً ضيقاً للمصادفة، وفي ذلك لا تعطينا الأرقام والمؤشرات القدرة على التفاؤل بحصاد قياسي من الميداليات للأبطال العرب، إلا أن دورة باريس قد تفسح طريق البطولة لرياضيين هم من المستويات الثانية والثالثة، بالنظر لما تحفل به فضاءات التباري من ظواهر لا يجري لا ضبطها، ولا السيطرة عليها.
نستطيع مع انتهاء هذه النسخة الاستثنائية للأولمبياد، بطقوسها ومفاجآتها المتوقعة، أن نحتكم للأرقام وللمحصلة، لنحاكم الزمن الرياضي الحديث للرياضة العربية، ولنتعرف على ممكناتها ونستشرف مستقبلها، إلا أن المؤكد أن ابتعاد الرياضة العربية عن العمل بالدورة الزمنية الأولمبية، لصناعة الأبطال وتشكيل الإنجاز، يقلص من حظوظها في إنتاج غلة قياسية بباريس.
حظاً سعيداً لسفراء الرياضة العربية في أولمبياد باريس.