- لِمَ، حينما يلتقي الأصدقاء اليوم، يكون الماضي محور حديثهم فقط، حيث تلك المساحات الخضراء المتقاطعة من الأحلام والذكريات، وأشياء الدنيا التي فُطرت عليها، كالطفولة، والبراءة، ومساكن الإنسان الأول، حيث الطين والصلصال والماء، ولا شيء يساوي قبضة اليد، تلك التي تشبعه، فتتساوى عنده النجوم والصخور والزهر، وحيث المساحات الرمادية من التعب والشقاء، ومكابدة الأيام؟! حينما تعلم الفطنة، وودع الطفولة بظهور شعر كث على جسده كالجد الأول، وبدء الصيد، وانتقاء الفرائس، والظفر بكل شيء على الأرض، وتلك المضغة السوداء التي تسكنها المُلكية وفرض الذات وإثبات الأحقية، كمسلمات في أبجدية الحياة، وما يُجبل عليه الإنسان من أشياء طبيعية وأخرى مكتسبة، الأصدقاء الملتقون، ربما اليوم ماضيهم هو الذي كان المستقبل، وكانت الأحلام يومذاك، وقد استهلكوها في صغرهم، وتمنياتهم، وأمانيهم ورجواتهم الكثيرة أو ربما تناقص العمر، بحيث لم يعد أمام الخطوات سنوات، بكثر ما تركت وراءها، هو السبب الذي يجعل الإنسان لا يحب العد، ولا الركض إلى الأمام، لأن المجهول هو الواضح، وغيره ظلمة العتمة والرماد والغيبوبة مثل نوم قد يطول بلا أحلام يقظة!
- لِمَ يتوقف المستقبل عند معظم النساء بمجرد أن يتزوجن؟! وكأن الزوج ختام الحلم والأمل، والأولاد نور الغد، تستفيق الواحدة منهن من أحلامها الوردية فجأة، وتكف عن تلك السباحة في ظلل الغيم، وتستسلم، وتسلم أمرها بيد الزوج والأولاد ليسيّروا مستقبلها، تغمض عينيها باتجاه الأمام، ونحو الخلف، فلا المستقبل تسبر، ولا الماضي تستذكر، تعيش في تلك المساحة مع يوميات الحياة، بلا أفق، غير الأفق الجمعي، وحين تتلبسها الوحدة الإجبارية، نتيجة مغادرة الجميع أماكنهم إلى أماكنهم الجديدة، تحاول أن تنظر خلفها أو إلى ماضيها، لكنها تشعر بأنها لوحدها فقط، وأنها في مكان لم تتعود عليه، وكأنها شبه عارية بلا الزوج والأولاد، وذلك الضجيج الأُسري!
- تقاسيم الزمن هي سر الإنسان، وسر بقائه، متنعماً بالحياة، بعدما ودّع الركض في البراري، مرة بالقلب، ومرة بالعقل، يمازج الأفراح بالأحزان، وينتقي لكل وقت ما يعضّد خطوه، سواء بدمعة حزن أو شهقة فرح، لا أحد غير الإنسان عرف ذلك السر في تقاسيم الزمن، ومتعة اللعب على أوتاره، تارة بالقلب، وأخرى بالعقل، متغلباً على الحياة حين تقسو على اللحم الطريّ! ومتصالحاً مع الأشياء حين تتراخى كل الأمور!
- لو عرف الناس متعة انتظار العود الأخضر للماء، وعرفوا قسوة انتظار العود اليابس لزخات الماء، لأدركوا أن للانتظار جبروتاً يُحيي، وآخر قاتلاً يُميت، وأخبثها ذلك الذي يعطي لصدرك نشوة الانتظار، ويَصرّ في يدك قبض الريح!
- لا نعرف من خُلق أولاً في الحياة من المتضادات، الصدق أم الكذب، الليل أم النهار، العدو أم الصديق، الحب أم البغض، ويكبر السؤال، وتتسع الدائرة!
- تقاسيم الوقت، وعزف الزمن على العمر، هي تفاصيل خرائط سير الإنسان، وحياته، قادر وحده على أن يعيشها كما يشتهيها بمساحاتها أفقاً وعمقاً أو تاركاً الآخرين يفصلونها ويقيسونها بخيارهم على قَدّه الذي يشبرونه، ويعطونه قيمته طولاً وعرضاً بقدر مد أصابع أيديهم!