مسألة محيرة وفي غاية الغرابة، مضغة بحجم نصف كف تسكن بين الضلوع جهة الصدر يمكن أن تغير عالماً بأكمله، ويمكن أن تلون الحياة من أسود إلى وردي أو العكس تماماً.
هذا هو قلب الإنسان عندما يعمر بمشاعر البهجة ويمتلئ بالحب يصبح مآلاً للسكينة وموطناً لأفكار كأنها الأشجار التي تتفرع وتنمو وتسمو إلى آفاق لا حدود لها ولا مدى.
وعندما يحدث ما لا يمكن أن نسميه إلا موقد النيران، فإن هذا القلب يصبح مثوى لأحكام سوداوية وأفكار كأنها الرماد، أفكار كأنها الجمرات تحرق معاطف الحياة، وتبيد أعشابها، وتلوث منازلها، وتعبث بسلوكيات المصابين بدائها.
نقول دائماً إن كلاً منا في داخله شيء ما يزعجه، ولكن البعض لا يعرف موقع الإصابة ولا يفهم معنى أنه إنسان وبإمكانه أن ينتصر على آلامه إذا وعى مكان تدفقها ووضع الأصبع على جروحها، ومن هنا تبدأ سيول التحريف في الداخل العميق، من هنا تتحول الضلوع التي تحفظ تلك المضغة إلى أسياخ حامية تطوق الكيان الصغير وتحوله إلى موقد لحرق الأخشاب، وتصير جمرات المضغة وابل نيران تشوي صاحبها وكل من يجاوره.
نحن نتحدث دوماً عن الشخص الشيزوفريني وعن الشخص النرجسي، ونطيل الحديث عن الشخص الاكتئابي، ولا نصل إلى جذور تلك الأعشاب الشوكية الضارة والفتاكة، والتي تطيح بالشخصية المصابة وتحولها إلى كيان عدائي مدمر وإلى مخلوق ينفث دخاناً خانقاً في المحيط الذي يعيش فيه.
هذه هي سيرة العدوانية، وهذه هي قصة الأمراض التي تنبت بين الضلوع وتتحول إلى أدواء لا يفيد معها دواء ولا ينفعها رجاء، إنها الكتلة النارية التي تبدأ في وقت مبكر من حياة الإنسان، وتتطور وتكبر وتتورم وتصير في الأرجاء الداخلية ورماً خبيثاً، ربما لا يستطيع المصاب التخلص منه، لأنه يصبح جزءاً من الشخصية وتصير الشخصية ناقة عرجاء تقودها عصا هذا الداء العضال.
كان الإسكندر الأكبر مثالاً للشخصية البارانوية، والذي حكم نصف الكرة الأرضية ولم يتورع عن حكم المزيد، لولا المرض الذي أيقظه على حقيقة وهي أنه مهما بلغ من جبروت وقوة خارقة، فإنه سيذهب في يوم ما خاوي الوفاض، لذلك طلب الرجل بعد السكرة التاريخية من أعوانه بأن يدعوا يديه طليقتين خارج الكفن عندما يسلم الروح للباري القدير، مما سبب الدهشة لمعاونيه، وعندما سألوه عن سبب طلبه ذاك أجاب: لقد جئت إلى الدنيا خاوي اليدين وسوف أذهب إليها كذلك.
هذه قصة من قصص وحكاية من حكايات تروى لنا من سجلات التاريخ الإنساني، ويا ليت الإنسان منا يعي معنى وجوده ويعرف لماذا هو موجود على هذه الأرض، لأنه لو وعى لتخلى عن الغطرسة وتنازل عن كثير من التطلعات الخيالية وفضل الحب على الكراهية، وآمن بأننا بشر وأننا نشترك في منزل واحد وعلينا المحافظة عليه قبل أن يفوت الأوان.