هناك أشياء في إيطاليا، لا يمكن أن تتذوقها إلا فيها، حتى «البيتزا» طعمها هنا مختلف، ومن يقصد أن يشرب «الكابوتشينو» في روما أي وقت يشاء، معتقداً أنها مشروب شعبي، فظنه خاطئ، فالإيطاليون لا يحتسونها إلا صباحاً، وبديلاً أحياناً عن الفطور، ما عدا ذاك، فالوقت كله للـ«اسبريسو»، وعلى سيرة «الكابوتشينو» التي تعشقها جماعتنا، وهي مَزَّة كل وقت وحين، خاصة حين يتحصن أحدهم في مقهى في «مول» بارد، يصعط له على أقلها في الجلسة ثلاثة فناجين «كابوتشينو» إحداها على الواقف، مثلها لن تجد في روما التي وصلتها «الكابوتشينو» وافدة من النمسا، فـ«الكابوتشينو» أصلها غير إيطالي، كما يعتقد الكثير، لكنها أخذت شهرتها فيها ومن خلالها، كشأن الإيطاليين دائماً وكثيراً ما يضيفون لمستهم الجميلة على كل الأشياء. 
مرجع كلمة «Cappuccino» من اللاتينية «كابتيوم»، ومعناها قلنسوة الرأس، وهي أيضاً تصغير لكلمة «كابوتشو» الإيطالية، وتعني ما يوضع فوق الرأس، وفي الأساس جاء من لون ملابس الرهبان «الكابوتشين» الذين عرفوا في القرن السابع عشر، وكانوا يرتدون أردية ذات لون بني محمر أشبه بلون القهوة الممزوجة بالحليب، وعلى رؤوسهم قلنسوات مدببة أو مخروطية، وحملوا لقب «الكابوتيشن» أو الإخوة مرتدو القلنسوات البنية المحمرّة، والقصة تبدأ في الربط بينهم وبين القهوة، عند انسحاب الأتراك من حصار فيينا عام 1683، أخذ «ماركو دفيانو» وهو من رهبان دير الإخوة «الكابوتشين» أكياساً كثيرة من البن من التي خلّفها الأتراك وراءهم في المخازن، وقام بصنع القهوة للناس، لكنهم لم يستسيغوها في البداية لحدتها ومرارتها، فقاموا بخلطها بالحليب والعسل حتى غدا لونها أشبه بلون لباس الرهبان «الكابوتشين» فسماها سكان فيينا «كابوتشينو»، وذلك تكريماً للكاهن الكابوتشيني «ماركو دفيانو»، أما كلمة «كابوتشينو» فلم تظهر في المدونات الإيطالية إلا في القرن العشرين، لكنها ظهرت في الكتابات الألمانية «كابوزينر» في القرن الثامن عشر، وكانت تعني حينها مشروب القهوة في النمسا، والتي بدأت تأخذ في الذيوع والانتشار، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى غزت القهوة كمشروب مفضل شمال إيطاليا الذي كان حينها تابعاً للنمسا، ثم تغلغلت في نسيج ويوميات الإيطاليين.
بالتأكيد العالم والمسيرة الحضارية الإنسانية كانت ستخسر الكثير لو لم تكن إيطاليا معلقة على خريطة العالم مثل حذاء بكعب جميل، لأنها ساهمت في تجميل العالم وتلوين الحضارة البشرية على مر العهود بأمور مهمة وريادية، من بنطلون «الجينز» الذي نقله بحارة «جنوه» إلى أميركا، إلى «ماركوني» مخترع الراديو، إلى فناني ومفكري عصر النهضة، يكفي «دافنشي» و«مايكل أنجلو» و«دانتي» و«ميكافيللي»، الصناعات الجلدية الأنيقة، والملابس والأزياء الفاخرة، السيارات الفارهة، الموسيقى والسينما وكرة القدم، وأشياء كثيرة لا تحصى في عجالة، كنت أتذكر ذلك متأملاً في أشياء إيطاليا التي أبهرت الناس، وأنا جالس في مقهى في مدينة الفاتيكان، أحتسي «كابوتشينو»، حيث لا «كابوتشينو» في روما!