- من أجمل الرحلات التي تظل دائماً على البال، وأبداً في الذاكرة، الرحلات البحرية في المراكب التي تشبه المدن المتحركة، وقد كانت لدي أمنية أن أجوب العالم على متن واحدة من تلك السفن الكبيرة، لكنني أُأَجلها من سنة إلى أخرى، وأقول يوم تكبر العجوز، ويوم أتقاعد، ويوم يتخرج الأولاد، ويوم أبلغ السبعين، وكلها «تعلثات» ومؤجلات للحلم الجميل، لكنه قد يحدث في أي سنة، وأراه قريباً كأفق ممتد على قدر إشارة إصبع السبابة.
- في سفينتنا هذا الصيف، هناك من هالأغلاظ يا أخوك، شغل الكاريبيان اللي يخلّنك تعاطس دوم، وتلقاهن يهفّن تلايا الليل بيتزا وبيبسي من الكبار، وتقول هالصحون اللي كانت ممزورة وقت الغداء وين سارت؟ وعقب رحلة تمتد عشرة أيام يصعب عليك التي عانقتها محتضناً في بداية الرحلة، أن تتلاقى يداك عليها في الوداع.. يا أخي غلاظ.. غلاظ «3 XL» وبعد ما يسد!
- العجائز المتصابيات هن الوحيدات في هذه السفينة المرشحات، واللاتي يلتفتن لي ولأمثالي، وهذا أمر بالتأكيد محزن، وكأنه أمر بالتكهن المبكر، ووداع كل الأشياء الجميلة التي مرّت على الحياة، هكذا بسهولة، يا خسارة أيام التشبب وأغاني «ميحد حمد الكوكتيل»! ما تفيد الحين، لا الوقت ولا المكان، و«السالسا» كبرنا على تعلمها، خاصة أن المدّور ما يساعد وايد.
- أتذكر وأضحك كيف كان الواحد من جيل الطيب، حين يسافر، يخترع له تأريخاً لعيد ميلاده، كلما انضم لجماعة سياحية، والمساكين يصدقون، يتحسبونه مولود في مستشفيات تابعة للراهبات، ما يدرون وين الأمهات عقّن الواحد منا في أي بقعة، وتحت أي ظروف، وكم تحملن من آلام الطلق، وفي زمنها لا واحد يسجل أو أحد يعرف يدوّن!
- لما تكون المرشدة السياحية عجوزاً تظل تذكرك بالكنائس طوال رحلة اليوم، وما في على لسانها إلا أن أجمل ما في المدينة كنيسة على الطراز القوطي بنيت في القرن الثاني عشر، وإذا أدخلتنا إلى «باسيليكا» ما ودّها تظهر منها، وأغلبنا يشعر برائحة الموت في الكنائس القديمة.
- بعض الناس اللي من هناك بعدهم يخصرون قمصانهم البيضاء، تتذكرون تلك القمصان التي فيها خطان متوازيان على خاصرتي القميص، معقول بعدها موضة الأفلام الهندية أيام «دارا سينغ وبران» في باخرة تمخر عباب اليم باتجاه مدن بحر متوسطية تفرح بالرحابة والقمصان الفضفاضة!
- في البواخر الكبيرة الذي لا يعرف كيف ينبسط ويفرح وكل أموره سهالة مثل بكرا الحلو، لا يسافر ويخسر غوازيه، كل الناس مرتاحين وسعداء ما عدا جماعتنا تقول طبعان مركبهم الخشبي في غبّة سلامة!
- عادي في روما، وفي هذا الحر تشوف السواقين، وخاصة سواقي الحافلات المكشوفة لابسين فقط فانيلة بيضاء أم حمالات.