ما أشدها على البلدان التي كانت تعد نفسها في يوم من الأيام أنها كانت رائدة وسبّاقة لكل ما هو جديد ومتمدن ويبز وقته، ويتخطى حينه، وما أشدها على مواطني تلك البلدان التي كانت يوماً ما مركزاً، وغدت اليوم هامشاً، هناك إذلال للنفس بما يرون من تمدن بعيداً عنهم، ولا يطالونه أو قريباً منهم فلا يصلونه، وهناك قهر بالتخلف لا تبدده أحلامهم ولا أمنياتهم،  ترى ذلك في العيون، وفي تحرك تلك المضغة السوداء في الكبود، وفي التحول للهجوم على النجاح أين ما كان، لذا إذا سمعت أصواتاً تتقول على الإمارات، وأنها حديثة الولادة في بداية السبعينيات، لا تلتفت له، ودعه يعد على أصابع يديه وقدميه، ومن يقف في صفه، ماذا أنجزت الإمارات في تلك السنوات التي تزيد على نصف قرن، وكيف حرقنا المراحل لنصنع المكانة، ونصنع الفرق، ونسبق النجاح. 
إن المقارنة بين المناطق التي كانت تستند إلى عراقة وتاريخ وصول التمدن إليها قبل الآخرين، وبين تلك المناطق التي كانت قبل سنوات لا يلتفت لها، وكيف قامت من رمادها، جاعلة النور والأنوار والتنوير يقودها إلى آفاق المستقبل والتحديث المستدام، وأنها تركت درجات النجاح خلفها من وقت، واليوم هدفها التفوق بدرجات، والتفرد والتميز بنفسها، والتفوق على نفسها، ربما مرجع ذلك كله للقرار السياسي، والإرادة الوطنية، والنيات الطيبة، وتفضيل العام على الذات، وحسن الإدارة الحديثة، والقيادة المرنة، ما جعل الأمور تختلف، والمراكز تتبدل، وجعلت أفراد تلك المجتمعات ترفع رأسها فخراً بما صنعت، لا تفاخراً على الآخرين بما حصلت، لذا الإمارات دائماً بعافية، لأن أبناءها يتمنون الخير والتعافي لكل الشعوب، ويتمنون لهم قيادات تنصفهم، وتنصف أحلامهم الوطنية، وتحقق لهم سُبل النجاح، وقوامها الإرادة والقرار السياسي والأمن لهم، والأمان عليهم، ولا يكون الالتفات للخلف خوفاً من مطاردة، بل استعداداً لقفزة نحو الأمام.
اليوم الإمارات لا تكتفي بما تعمل وتفعل وتصنع وفق ظروفها، بل إنها تعمل بجهد مضاعف، وفي اتجاهين متضادين، من خلال تهيئة الأجواء الخارجية لهذا النجاح، وتحييد أعداء النجاح، ودعم حرّاسه، ومحاولة ردم الهوات، وبناء الجسور، وتقديم التضحيات، لكي تكون سكة القطار سالكة، والظروف ملائمة للوثوب نحو قمة النجاح، فلا يعطل العجلة مثل عصا صغيرة معترضة، ولا يجعل العربة مندفعة ‏كأسهم النار مثل وضع الأحصنة خلفها.
طرأت عليّ تلك الأفكار، ومقاربة الأشياء، وأنا أحط على مدرج مطار عالمي، يُعد الأكثر ضجيجاً في أوروبا، ورأيت ما تفخر به الإمارات، وناسها الطيبون على الدوام، ورأيت كيف أن التمدن يُذل الناس إن كان بعيداً عنهم، وخارج نطاق آمالهم وأمنياتهم، ورأيت القهر، وندب النفس، ولومها حين كان الشعور بالقهر والإذلال في حضور التخلف الذي يطبق على نفوس أفراد المجتمع، وعلى كاهل وطنهم، وهم يقارنون الأشياء، ويكاد يحبطون، ثم يغالون، وبعدها يحقدون!