قادتني رحلة إلى اليابان ذات مرة لزيارة مدينة نجازاكي التي شهدت وشقيقتها مدينة هيروشيما إلقاء أول قنبلتين نوويتين في التاريخ لتنتهي الحرب باستسلام طوكيو.
كان أثر القنبلتين على المدينتين والعالم مهولاً بكل معنى الكلمة، تقشعر له الأبدان عندما يقف الزائر للمتاحف المخصصة للحدث على تفاصيل ما جرى، والتي ما زالت محفورة في ذاكرة اليابانيين وبالذات الناجين من ذلك القصف الذي تعجز الكلمات عن وصف ما جرى فيه، وقدم للبشرية درساً بالغ التكلفة ومعقداً لتفادي مثل هذه الأهوال.
ما يلفت النظر درجة الاستغراق في التأمل أن سكان المدينتين والبلد الذي أصبح أحد أكبر اقتصادات العالم وأكثر البلدان تقدماً وتطوراً لم يغرقوا في مستنقع الأحقاد والانتقام والبكائيات، بل تجاوزوا جلائل ما جرى بروح سامية من التسامح والتسامي فوق الجراح وبتركيز شديد على البناء والتطور بكل إبداع، ما وضع بلادهم في هذه المرتبة الرفيعة بين الأمم.
استذكرت تلك الزيارة لبلاد الشمس المشرقة بينما كنت أتابع مشاركة منتدى أبوظبي للسلم في مؤتمر تاريخي استضافته مدينة هيروشيما التي تلقت أول ضربة نووية في التاريخ، وقد كان المؤتمر تحت عنوان «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام: أديان العالم تلتزم بنداء روما».
جاءت مشاركة المنتدى انطلاقاً من رؤية قائد المسيرة المباركة وراعي الأخوة الإنسانية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وفي إطار جهود المنتدى ومساعيه المتواصلة لتعزيز قيم السلم العالمي وترسيخ مبادئ الأخوة الإنسانية.
وقد عبّر المنتدى، خلال مشاركته في مؤتمر هيروشيما، عن الرؤية التي أكد عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أمام قمة روما لمجموعة العشرين مؤخراً بأن «التعامل المسؤول والأخلاقي مع التقنيات الناشئة يجعلها رافداً للتنمية المستدامة والأمن والازدهار للجميع».
لقد أصبحت الإمارات بفضل الله ثم بالنهج المبارك الذي رسمه المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رائدة ليس فقط بترسيخ قيم التسامح والسلم والأمان والتعددية الثقافية، بل في نسج الشراكات وتنظيم الملتقيات والفعاليات وإطلاق المبادرات العالمية لنشر ثقافة السلم والتعاون البناء بين الشعوب والثقافات والأديان والتصدي للتطرف والإقصاء والعنف المرتبط بهما. وهي المهمة الجليلة التي ينهض بها منتدى أبوظبي للسلم بإسهاماته المتواصلة ومشاركاته الدولية المتعددة والتعريف بالرسالة السامية للإمارات، حفظها الله، وأدام عزها بقيادة أبو خالد.