الشعور ببهجة الألوان هو ما يغلبني عند استعراض الصور القديمة مهما كان لونها، على عكس ما عهدناه من نمطية التعامل مع كساء الأبيض والأسود على الصور القادمة من الماضي. للصور تلك ذكريات دافئة تمنح العزاء وتمسح الدموع وتزرع ابتسامة رضا وقبول، وتستنهض في النفس بهجة تلك اللحظات، لأن ما مضى كان جميلاً، وأننا ومن نتشارك معهم هذه الصور عاشوا وأحبوا وضحكوا وزرعوا سعادتهم في حقول أيامنا.
دائماً ما أتحدث عن الصور بالكثير من الحب، وكأنها كائن حي أرتبط به بصلةِ قرابة. أسترجع علاقتي الأولى مع الصور لأستذكر أن والدي «رحمه الله» أهداني، ولم أكن قد بلغت الثانية عشرة من عمري، كاميرا «كوداك» مستطيلة الشكل، تُعبأ بفيلم من الخلف. وكانت في تلك الفترة ثروة حقيقية. أذكر جيداً أن أول فيلم التقطت فيه صوراً لكل شيء غريب وجدته في حديقة الحيوان في القاهرة أثناء زيارة صيفية، ولم أصور إخوتي ومن كان معنا، وهو ما فاجأ والدي وأزعجه بعد تحميض الفيلم حين عودتنا، ويبدو أني كنت منبهرة بحيوانات لم أرَها في حياتي قط، فلم أصور من اعتدت رؤيتهم.
جمعت الكثير من الصور القديمة لعائلتي، اشتغلت على ذلك منذ زمن بعيد لم أعد أذكره، ولتغذية هذا الكنز كنت وما زلت أصر بكل جدية على التقاط صور لأسرتي الكبيرة في المناسبات، وكلما زاد عددنا وكبرنا زاد الأمر إرهاقاً في إقناع الكبار قبل الصغار. أذكر أنه في آخر عيد فطر شاركنا فيه والدي، كنت أترجى الأحفاد ليتحلقوا حول والديّ، وأحفزهم لكي ينصاعوا لرغبتي بالقول: لعلنا لن نجتمع هكذا مستقبلاً! الآن وأنا أتشارك مع إخوتي صور والدنا «رحمه الله»، التي جمعناها في هواتفنا عبر الزمن، أشعر بالرضا والقبول، فهناك الكثير من السعادة، سواء تلك التي شاركنا فيها والدي أو التي ما زال يمنحها لنا حتى بعد رحيله.