انتهى من كأس أمم أوروبا الحالية، دور المجموعات، وإن ظهرت للبطل المرتقب ملامح، من خلال ما شاهدناه، جاءت أدوار خروج المغلوب لترينا من العجائب ما لم يتوقعه أحد، فالأبطال يولدون في العادة من رحم البطولات، وهذه الكأس الأكثر جمالاً وسحراً وجاذبية بين كل الكؤوس القارية، ستعبر إلى نهر جديد، ستغمره مياه جديدة وستظهر على ضفافه مراكب أخرى، غير التي أشار لها دور المجموعات بالبنان.
لذلك لن أستعجل الحديث عن الميلادات الجديدة، مولد أسلوب لعب جديد، مولد إنتاجات إبداعية جديدة، وأيضاً مولد نجوم تعيد ببريقها رسم الضوء الجديد في كوكب كرة القدم، وسأخص هذه الزاوية، بما شاهدته وسمعته صوراً تداعت من مباراة إيطاليا وكرواتيا وأحاديث نبتت على هوامشها.
كان المنتخب الكرواتي ثالث كأس العالم الأخيرة في قطر، في طريقه لتحقيق الفوز على «الآزوري» بهدف الأسطورة، «الشيخ» لوكا مودريتش، الفوز الذي ينقله للدور ثمن النهائي، هو الذي حنطه منتخب «لاروخا»، وحجب عنه منتخب ألبانيا ضوء الفوز في الومضة القاتلة، عندما خسف قمر الكروات ومنتخب إيطاليا يعادل النتيجة في الدقيقة الثامنة من الوقت بدل الضائع، بهدف البديل زاكانيي، تماماً كما حدث في اللقاء الذي قبله، عندما نجح منتخب ألبانيا في معادلة «الكروات» بهدف سجله جاسولا في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع، وكأني بالكروات الذين ودعوا كأس أوروبا للأمم من دور المجموعات، لم يأمنوا من لدغة الجحر في مرة أولى، فعاقبهم «الطليان» على أنهم لا يجيدون قتل الزمن المضاف، بما هو متاح من تركيز عالٍ، ومن إتقان لفن تصريف الوقت الغادر.
من نزيف «الكروات»، لاعبين وجماهير، تأثرت كثيراً لمشهد الأسطورة والعميد الخرافي لوكا مودريتش، الذي سحبه المدرب زلاتكو قبل بداية الوقت بدل الضائع، وقد استنفد ما في مخزونه البدني، وهو يتابع ما بقي من دقائق الجنون متوتراً ومتوجساً، قبل أن يغرقه هدف إيطاليا في بحر من الدموع.
إلى المؤتمر الصحفي ذهب لوكا مودريتش، ليقول للصحفيين كم هو حزين لخروج كرواتيا!، لكن الأجمل من حديث اللوعة، الكلمات التي توجه بها صحفي إيطالي للأسطورة لوكا، وهو يقول له: «مساء الخير لوكا، أنا صحفي إيطالي، وددت أن أشكرك من صميم القلب لما أمتعتنا به ليس اليوم فقط، وأنت تسجل هدفاً رائعاً، مباشرة بعد إضاعتك ضربة جزاء، ولكن طوال مشوارك الكروي، الذي كنت فيه مصدر سعادة لنا جميعاً، أرجوك باسم المتعة وباسم الفن الرفيع، ألا تعتزل، واصل اللعب، لأن كرة القدم الجميلة ما زالت بحاجة إليك».
كان بود لوكا أن يعود للبكاء إزاء هذا الكلام الجميل، لكنه تحامل على نفسه، وأجاب: «شكراً لكلماتك الجميلة، لا أحد بيننا سيخلد، سيأتي علي يوم أعتزل فيه اللعب، بخاصة إن عجز جسدي عن التحمل، هذه سنة الحياة». كم هو مؤثر أن يطلق جسد لوكا مودريتش صرخة، وأن يُسمع لدموعه صوت!.