كلما أتيت بعين متفحصة وراغبة في رؤية ومضة تكتيكية جديدة، تبدد من حولنا عتمات النمطية، إلى بطولة أوروبا للأمم، وهي تنعقد كل أربع سنوات في شبه دورة زمنية تحدد بشكل كبير عقارب الساعة الكروية عالمياً، إلا وكنت موقناً من أنني كغيري، عدا الاستمتاع بما يزين المباريات من صرعات جديدة في صناعة الاحتفالية، سأشاهد نمطاً جديداً للعب، كما هي عادة «اليورو» منذ أزمنته الأولى، حيث كان شلالاً متدفقاً بالصرعات التكتيكية والنجوم أيضاً.
إلى هذه البطولة القارية التي تتفوق على ما عداها من بطولات قارية، وتقارن أحياناً بكأس العالم، جاء 24 منتخباً ليسوا كلهم من الفئة المميزة التي تبدع، لكرة القدم مقاسات جديدة تزيد من بهائها، ولكن بينها من نعدهم من المنتخبات التي تملك المرجعية التاريخية، وقوة المختبرات الفنية، والقدرة على تغيير التضاريس، إن لم يكن على المستوى الخططي، لطالما أن الخطة الواحدة يتفرع عنها الكثير من الأنظمة التكتيكية، فعلى مستوى التوظيفات والتحويرات والمتغيرات، وعلى الخصوص الجوانب غير المكتشفة في النواحي النفسية للإبداع الجماعي ولصناعة التميز.
بالقطع، لا يكون دور المجموعات من بطولة الأمم إلا تسخيناً للمنتخبات المجبولة على ركوب صهوة التحدي الأكبر، لذلك وهذه النسخة الألمانية تنهي جولة أولى من جولات ثلاث للدور الأول لم تعطنا في واقع الأمر، سوى مقدمات بعضها كان محتشماً، لما يجب أن تكون عليه بطولة تختص بقارة كانت ولا تزال هي قاطرة كرة القدم العالمية، فإن شاهدنا منتخب «المانشافت» يوقع مع «لاروخا» وسويسرا ورومانيا وتركيا على بداية محمودة بالفوز بحصص عريضة نسبياً، ووقفنا على حجم المعاناة التي استشعرتها منتخبات إيطاليا وفرنسا وإنجلترا والبرتغال، وهي تفوز بالحصة الصغيرة جداً، إلا أن خريطة التباري لم تظهر حتى الآن ملامحها، ولعل هناك حاجة لأن يكتمل التعايش مع محيط البطولة بكامل تفاصيله.
لن أستعجل الحكم، لأقول إن هذه النسخة من «اليورو» ستنتهي كما جاءت مقدماتها بئيسة، بشح كبير على مستوى الإبداع الجماعي، وبغير قدرة على تقديم نجوم جدد تتعلق بهم الجماهير، إلا أن المؤكد أن النسخة الألمانية ستبرز أوجهاً جديدة في منظومات اللعب، ما يتعلق بالتحولات، والقطب التكتيكي الأقوى في صناعة الانتصارات، وما يتعلق بإيجابية الاستحواذ الذي يعطي معنى ونهاية سعيدة للامتلاك، والذي شاهدنا فاصلاً منه عند منتخبات ألمانيا، إسبانيا، تركيا والبرتغال، لامتلاكها عمقاً قوياً بوجود وسط ميدان يشد الوثاق، وأجنحة طائرة تكسر أقوى الجدران الدفاعية.
ولعل ما سيأتي فواصل أخرى من حكاية «اليورو»، أتمنى أن أعود للحديث عنها، وقد زاد اقتناعي بأن «اليورو» هو للكرة العالمية الشمس التي تعطي الدفء والنور.