أكثر من عامين ونصف العام، وهي تحرس الميناء أو هذا الميناء الصغير يحرسها! كان في قمة السعادة عندما، أبحرت متهادية رشيقة، فوق الأمواج، كان يسابق حلمه، بأن تحمله كالطير إلى الجزيرة البعيدة (صير أبونعير)، وذلك الجبل الذي يقف فوق الماء/ البحر، ليناجي الأمواج والريح، ثم تداعب أطرافه الصخر والبحر عند استدارته بالجزيرة من كل الجهات، دائماً ترفع الرياح ماء البحر (الأمواج) عالياً في تحدٍّ، بأن تهد جبل الجزيرة، ولكن كان أقوى وأصلب من الماء. 
لا أحد يهزم الجبل، كذلك الجبل لا يمكن أن يهزم البحر! قوتان تحرسان وتزينان، بحر الخليج العربي، وحدها الأشرعة والسفن الكبيرة العابرة والسفن الصغيرة، قد يعبث أفرادها بأطراف الجزيرة الصخرية (صير أبونعير) أو الجزر الأخرى في الخليج العربي.. منذ فجر التاريخ، وهذا الجبل، الحارس، الأمين، جندي وناطور للبحر والساحل، هربت وارتدت إلى مخابئها الغزاة، ولم تستطع الغربان أن تبني أعشاشاً عليه، كما صنعت في جزر أخرى.. ظل هذا الجبل محروساً بالنوارس والبحارة والصيادين.. كانوا قناديل ضوء وقناديل البحر، جيوشاً لاسعة لكل غازٍ شرير، لا يعرف قوة الصخر والجبل والبحر في من جربها.. هذه الجزيرة حكاية ورواية، لسيرة البحر والناس والساحل والإمارات الجميلة.. ذهبت الحكايات القديمة، وظل، وحده وذاكرته، شاهد على حياة الماء/ البحر. 
دفع هذا البحار العجوز كل ما يملك ثمناً لسفينة خشبية قديمة، أعاد ترميمها لتقوى على صعود الأمواج والبحر، كان العمر قد مضى أكثره، ولم تعد غير الذاكرة القديمة وسيرة البحر، حلمه الوحيد أن يبحر خلف المراكب والسفن الصاعدة إلى جزيرة صير بونعير، فقط ليشاهد، روعة الجديد من إعادة الحياة في الجزيرة والبحر، وأيضاً إنعاش الذاكرة ومشاهدة السباقات البحرية والسفن الشراعية، لم يعد لدية حلم أكبر من ذلك، وخاتمة الزمن بالعودة إلى الذكريات البعيدة.. قبل أكثر من عام لم تعد ساقاه تقويان على حمله، لقد كبر كثيراً، ربط سفينته في المرسى وظل كل مساء، يأتي، يعاينها، يتفقد كل شيء، وعند الغروب يعود إلى منزله. 
الآن خارت قواه، لم يصل إلى سفينته الراسية وحدها، والتي نبت على جسدها (النو)، والطحالب، تحولت أخشابها التي كانت لامعة ومدهونة بمادة (الصل)، إلى الواح كالحة المنظر (ملحاً)، تحط عليها الطيور وتذرق، كل مساء يجلس مع البحارة في الميناء بالقرب من تلك السفينة القديمة، ويلمس تحسّر الصيادين على سفينة مهجورة، لم تعد صالحة للإبحار، لم تبحر غير مدد قصيرة، ثم رست في الميناء، تعب العجوز البحار وأكله الدهر، ومع ذلك لم يفارق محبوبته، ولم يرغب في بيعها؛ لأنها آخر نبض في حياته وذاكرته، الآن لا تقوى على الإبحار ولا صاحبها يقوى على السير، حتى ذلك الكرسي المتحرك الذي استعان به في آخر المطاف لم يعد يستطيع قيادته.. في الحياة تظل بعض الأشياء، تذكرك بالطفولة أو الماضي أو الأهل والأحباب، تماماً مثل كنز غالي الثمن، لا يُباع أو يُعطى او يُهدى أبداً، حتى الرحيل.