لم يحدث أن كان المدير الفني وليد الركراكي، منذ أن تولى القيادة الفنية للمنتخب المغربي، في موقف يصيب بالهشاشة أكثر مما كان عليه الأمر بعد مباراة «أسود الأطلس» أمام منتخب زامبيا، في الجولة الثالثة من تصفيات كأس العالم 2024.
لم يشفع الفوز بهدفين لهدف على الرصاصات النحاسية لوليد الركراكي لكي تخف وطأة النقد المبرح لاختياراته التكتيكية، إزاء عقم هجومي معلن، بخاصة أن المباراة تلك، تلطخت بمشهد استفز كل المغاربة، وحكيم زياش ويوسف النصيري، وهما من الحرس القديم والوفي لوليد، يفجران غضباً غير مشروع على تغييرهما معاً بعد ساعة من اللعب، فمن اقتلع الحذاء، وزلزل به دكة البدلاء، ومن عصف بقارورة ماء فتطاير رذاذها على البدلاء.
أمضى وليد الركراكي وقتاً طويلاً في تحيين وتغيير منظومة اللعب التي بها أبهر «أسود الأطلس» العالم في مونديال قطر، وهم يبلغون الدور نصف النهائي، فقد كان من لزوميات العودة لأحراش أفريقيا، أن يتغير الجلباب التكتيكي، من أداء دفاعي خرساني إلى أداء هجومي متنوع، يبرع في كسر الأقفال الدفاعية التي يبرز بها المنافسون.
وبرغم ما يحتكم عليه وليد من لاعبين مهاريين، برزوا على الخصوص هذا الموسم في الدوريات الأوروبية والخليجية، لم يتوصل فعلياً إلى الوصفة الهجومية الأكثر تطابقاً مع الملكات الفنية للاعبين من أمثال زياش، النصيري، دياز، بنصغير، الكعبي، رحيمي، عدلي وأخوماش، احتاج في ذلك لوقت، لكنه استنزف كثيراً من الوقت، فانتقل سريعاً من وضعية المدرب الأسطوري بما حققه في كأس العالم، إلى مدرب عاجز بما راكمه من إخفاقات تكتيكية، خاصة مع الخروج المبكر من كأس أمم أفريقيا، والحقيقة أن من انتقلوا في الحكم على وليد من النقيض للنقيض، عاكسوا منطق كرة القدم الذي لا يقبل إطلاقاً بالأحكام الجاهزة والقطعية.
وما كان ظلاماً وقلقاً وخوفاً بعد مباراة زامبيا، أصبح نوراً واطمئناناً وثقة بعد مباراة الكونجو التي أعقبتها بأربعة أيام، حيث جسد الفوز بالسداسية النظيفة، وهي الحصة التي مضى زمن طويل دون أن يحقق مثلها منتخب المغرب، التحول المأمول في الأداء الجماعي للمنتخب المغربي، إذ ارتفع منسوب النجاعة لمستويات قياسية، بسبب ما أقدم عليه وليد من تحويرات تكتيكية على مستوى الخط الأمامي، تحويرات حضر معها التنوع والغزارة في إنتاج الجمل الهجومية، فتألق المهاجمون بشكل لافت، تأكيداً لما كنت أذهب إليه دائماً، من أن الخوف ليس من ضعف النجاعة الهجومية، ولكن من ضعف في صناعة الفرص، والحقيقة أن المنتخب المغربي ينتج في كل مبارياته قدراً مهماً من الفرص، لكنه يفشل في استثمارها على الوجه الأكمل.
فوز «أسود الأطلس» بالسداسية، هو أولاً، إنهاء مرحلي لحالة العقم الهجومي، وهو ثانياً، إعلان أول عن الخروج من جلباب المونديال، وهو ثالثاً، إقرار بأن لوليد الركراكي حاسة سادسة تبتكر الحلول في أعتى المراحل.