بين الشرفات والنوافذ والأبواب، مسافة كبيرة من الاختلاف، وإن كانت كلها مرايا الفرح والفرجة، إلا أن بعضهم لا يحب الأبواب، وخاصة التي تفتح وسط جدران الإسمنت أو السياجات الحديدية، أياً كان نوعها، إنها بوابات الحصار وتضييق المساحات والمسافات.. وحدها ناطور تلك الأسيجة، الأبواب في حالات صغيرة تمد إليك الصداقة، ولكنها في معظم الحالات عنوان لحبس الحرية.
وحدها الشرفات والنوافذ، هي عنوان المستقبل والإشراق، مشرعة دائماً وأبداً للهواء والهوى والحب والسلام.. في الحياة تختلف الشرفات، وربما البعض يعشق أنواعاً محددة من الشرفات، ويحرص أن تكون عنوانه الدائم، وذلك لاختلاف الرؤية والنظر إلى الحياة.
الكثير منا يعشق الشرفات التي تطل على الماء/ النهر أو البحر، حيث يساعد على الفرح جريان ذلك الأزرق الجميل ورحلة الماء الدائمة في مجراه الأبدي، أو رحلة الأمواج إلى الشواطئ أو إلى العمق البعيد حاملاً الأشرعة والمراكب إلى دنيا الله الواسعة، وقد ترحل مع ذلك الجمال المائي البديع الشمس إلى الأفق البعيد.
آخرون يعشقون الشرفات التي تطل على الجبال، حيث تظهر الشامخات في علو متدرج تنشر روعة ما أبدع الخالق في الطبيعة من جمال، وقد يأسرك الشروق أو الغروب خلف تلك الارتفاعات البديعة، وتتابع رحلات الطيور الجميلة، التي تتنقل بخفة من قمة جبل إلى آخر.. صور رائعة تصنعها الطبيعة من تدرجات الجبال، ولا يمكن أن تعرفها جيداً من دون أن تنظر إليها من شرفة عالية ومنفرجة على الفضاء وحياة الجبل والوادي والسهل.
 كلنا جربنا تلك الشرفات والنوافذ وعشقنا متعة الهدوء.. النظر من الشرفات والنوافذ إلى مجرى الحياة في نهاراتها أو مساءاتها الجميلة بديع.. البعض يعشق الشرفات ولا يفارقها أبداً لأنها إطلالة على الحياة. 
هناك البعض في المدن الإسمنتية يحب النوافذ والشرفات التي تطل على حركة المدينة والأسواق والناس، قد تمضي مساءات طويلة وهو يحتل النافذة أو الشرفة دون ملل أو ضجر، قد يكون اختياراً حراً، أو أن ظروف الحياة تجبره أن يلازم تلك الشبابيك والنوافذ، وقد تتحول بعد برهة إلى حب وعادة، أو ربما هي المتنفس الوحيد والأمل المنتظر الذي يمده بالفرح والسرور في ظل ضغط وحجر الظروف.. الشرفات مساحة من الجمال والأمل، وحدها تهزم الجدران الإسمنتية وتبعث فيها الفرح والحياة، ولو في أضيق الحدود والظروف، لا أحد يحب الجدران وبناء الإسمنت الصامت، ولولا النوافذ والشرفات لتحولت الحياة إلى كتلة من الصخر والهم والضجر.. لو كان بيد عشاق الحياة الوردية الجميلة، لهدموا كل الجدران والأسوار والأبواب، ثم ساروا وسرحوا في دنيا الله الواسعة.