هناك مدربون خلدتهم الذاكرة في تاريخ كرة القدم، فلسفتهم التي أحدثت ثورة على مستوى منظومات اللعب، لا يحفل رصيدهم بعديد الألقاب، ولكنهم أبدعوا أنساقاً جديدة للعب، أخرجت كرة القدم من النمطية، وشرعت أبواب الاجتهاد والإمتاع.
وهناك مدربون اشتهروا بأنهم من أمهر قناصي الألقاب، فهم لا يعدمون القدرة لإيجاد الوصفة السحرية، التي تمكنهم من ربح السباقات الحاسمة بالفطنة والدهاء، ومن هؤلاء كارلو أنشيلوتي، الذي قاد ريال مدريد ليقتنص النجمة الأوروبية الخامسة عشرة، بعد أن حقق مع «الملكي» لقب «الليجا» السادس والثلاثين، وقبلهما توج بالسوبر الإسباني في نسخته المستحدثة.
ما حدث السبت الأخير، بالملعب الأسطوري ويمبلي، فصل جديد من أسطورية فريق ومدرب، ريال مدريد الذي بات للإعجاز الكروي دليلاً وتعريفاً، ومستر كارلو، الذي بات المدرب الأكثر تتويجاً بالألقاب العالمية والقارية والوطنية على حد سواء، إذ تتزامن سنته 29 مدرباً، مع حصوله على اللقب التاسع والعشرين، 13 منها مع الفريق الملكي، الذي تردد على عارضته الفنية في مناسبتين.
كارلو الجميل والأنيق، لم يصبح فقط المدرب الأكثر تتويجاً بدوري الأبطال كمدرب، بخمسة ألقاب مع الميلان ومدريد، بل إنه المدرب الوحيد الذي توج بلقب البطل في الدوريات الخمسة الأرفع شأناً وقيمة في العالم، مع الميلان بالكالشيو، مع باريس سان جيرمان بالليج1، مع بايرن ميونيخ بالبوندسليجا، مع تشيلسي بالبريميرليج، ومع الريال بالليجا، وإذا أضيفت كل ألقابه كمدرب لتلك التي حصل عليها لاعباً، خلال الزمن الذهبي للميلان، وهي 13، فإننا نكون بالفعل أمام رجل يجيد الغوص في أعماق البطولات، ليصطاد بعبقرية لا مثيل لها اللآلئ والجواهر.
فهل نعد «كارليتو» على قبيلة المدربين المتخصصين في اقتناص البطولات، لا على المدربين الذين أحدثوا ثورة على مستوى منظومات اللعب؟
السؤال طُرِح، وفي الإجابة عنه اختلف الناس، إلا أنني أرى أن في حصر أنشيلوتي في دائرة المدربين المهرة في القبض على الألقاب، ظلماً كبيراً للرجل وتقليلاً من الأسلوب، الذي تفرد به منذ أن أطل على عالم التدريب، مستلهماً روح الأسلوب من معلمه الأول أريجو ساكي، فقد لا يكون كارلو غيّر الكثير من ملامح كرة القدم، التي تقوم على الاستحواذ والتحول السريع، إلا أنه أبدع كثيراً في الرقي بالآليات والأدوات، التي تساعد على صناعة الإنجاز الجماعي، ومن تلك الآليات تبرز قيمة فلسفة «الدون كارلو»، التي صنعت كل نجاحاته الخارقة.
فلسفة من رافعاتها، التوازن، التواضع، أخلاقيات العمل، فهم اللاعبين، خلق الحوافز، التكيف مع الأوضاع، الصبر، الإيمان بالقدرات، التضحية وروح الفريق.
في النهاية كارلو الذي يقف في ساحات الإبداع الكروي جبلاً شامخاً، تفنن في إعطاء الروح لفلسفة اللعب، فعرفنا معه كيف تكون استدامة النجاح، وكيف تصبح الدهشة الطريق الأوحد للتفلسف.