تجلت نخلة الشوق في صمت، ونبت تفرد عذوقها، وتدلى منها بلحها وبسرها ورطبها، تنشد عيناك غابتي نخيل ساعة السحر، وما قاله السياب، وشرفتان راح ينأى عنهما القمر، لم تعد النخلة هنا تستمع للحن خفياً في بادية، تمثل بين واحة عربية زاهرة بالجمال، استلهمتها مدينة لوس أنجلس، وجلبتها من صحرائها، لترمز لسحرها الباسق الجميل، سميت شجرة الحياة، والشجرة المباركة، وجواهر الصحراء، تستمد من الحياة قصصها.
شجرة وجودية، ونواتها تجسر العطاء، تنسج مداها النضر، وعنفوان الظلال الوارفة، وبعراقتها تحضر ثقافة ملهمة للحضارات، جلبت لأميركا منذ القدم، ليحصدوا من تجارب زراعتها جودة وذائقة، ومن ثمارها التنوع، وأصناف المنتجات المصنعة الباهرة. تطوف بين بساتين النخل، تتلألأ من وفرة الاعتناء فائق الوصف، بمعالجات ووقاية وتحسين لسلالاتها بما لا يعيق نموها.
ألا ترى أشجار النخيل في شموخها الجميل، تسكن صحراءها وإن اختلفت البيئة، يسكنها الشعر قصائد من بوح الشعراء، ومن فيض العشق تعتريها القوافي، ومن أشعار الشعراء ترفرف رياحها أينما طلت بسعفها، وأينما مضت في رحيلها.
من يرتاد سواحل المحيط الهادئ، ومن يجر قدميه ماشياً على التربة المبللة بالماء، يرى أشجار النخيل باسقة أمام سحر الأمواج الفائضة، من أعماقها الجارفة، فيخبرك الصباح بأن قصيدة ملقاة يبوح بها المحيط وتسكن في ذاكرة النسيان، ينتابك الشعور بأن الشاعر الهيمان ترك قصائده تهجر، وتموج مع النخلة مناجاة، وتشرئب فطرة لا تتوارى من الحسن والإبداع، ومن الغربة يخيل لك بأن العطش يقترب، والنخلة وحدها ها هنا من دون الغدير، ولا تشق أنفاس الأفلاج لها مسيرها.
لم تبدأ النخل فلوس أنجلوس بشارتها الأولى بعد إلا قليلاً منها، وكأنها تبحث عن نظيرها من أوجاع الصيف، فتبدو صامتة تغسل أحزانها إذا ما تاه الغيم عنها، تنبئ ببشائرها القادمة، تتباهى رائدة أينما زرعت، لا يستعصي عليها الرحيل، غدت بالتفاصيل الأرض تجيدها، لم يشق عليها المسير ولا لحن العناء فمن جراء اختلاف الواحات واختلاف الصحراء كأنها تروض الحياة كيفما البيئة تبتغي.
فمهما ابتعدت النخلة عن عالمها، وصحرائها العربية، فهي متدفقة بعطائها الذهبي ذي العنفوان الجميل، ترحل في كنف الحياة بشفافية تنسج حولها التأمل والأمل، ويرسم لها المكانة بما لها من ماض يعد سر أيقونة الحياة.