قبل أن تغرب الشمس، كل يوم يطيب للصيادين وأنا معهم، أن نودع النهار بجلسة جميلة على حافة رصيف المرسى في أم سقيم، والذي تزاحم فيه قوارب الصيادين قوارب النزهة. غابت وانتهت الزوارق الخشبية القديمة والتي ذهبت مع زمنها، لا شيء غير زوارق «الفايبر كلاس» البلاستيكية، يختلف زورق الصياد عن زورق النزهة، زورق الصياد ليس بمواصفات الزورق الآخر، الذي به وسائل الراحة والزوايد التي يحرص عليها ذلك الذي يرى في البحر نزهة وراحة وإبحار، وبكل معدات الترفيه من «الكابينة» المقصورة إلى المقاعد والأدوات المختلفة لزيادة الراحة والمتعة.
الصياد يجد أن الزورق يجب أن يكون انسيابياً، خفيفاً في المناورة، ليس به الكثير من الأدوات الزائدة وغير الضرورية، السطح والمكان لا بد أن يتسعا لوضع الشباك ومساحة واسعة للصيد «الحداق»، ثم وجود ثلاجات لتخزين الأسماك، الصياد لا يهتم بالزوايد والزخارف وتزيين القارب، المهم أن يكون الزورق قوياً وخفيفاً، ولديه قدرة على المناورة. أصدقائي الصيادون، الآن هم زملاء الحي القديم، جمعتنا يوماً ولا تزال مساحة وفريج واحد، السكن والمكان، لم ولن نفارقه أبداً حتى نرحل من هذه الحياة.
أجمل ما عرفته واكتشفته أن أروع شيء هو العودة إلى رصيف المرسى والشاطئ الرملي، عرفته طفلاً لا يفترق أبداً عن البحر أو رحلة الموج الدائمة بين الخليج العربي، وسيف أم سقيم، كم أخذتني الحياة هنا وهناك في أعمال مدنية.. الآن أعود إلى نقطة البدء، وهي أجمل ختام للحياة العملية والشغل. ينام البحر في حضن المرسى، وتطرز الزوارق الجميلة البحر، وكأنها عقد لؤلؤ، تحوم أسماك «البالج والقرفاء والعومة» حول هذه المناظر الجميلة والتي تطرحها الزوارق والمراكب ويخوت النزهة، والتي يضيء المساء بأنوارها الجميلة.. تعبر زوارق الصيادين مسرعة دائماً إما إلى عرض البحر أو إلى رصيف المرسى. أجلس مع أصدقائي الصيادين/ البحارة، وكعهد هؤلاء، لا حديث لهم غير الصيد والمراكب أو سباقات الزوارق والسفن الشراعية، وعلى الخصوص السباقات الكبيرة والتي تنطلق من جزيرة صير، أبو نعير، أو من جزيرة دلما. 
عالم الصيادين لا تشغله هذه الأخبار الكثيرة التي تحملها وسائل الإعلام. لا نزال نتعلم من حياة الصيادين/ البحارة الكثير، ما نقرأه من الكتب والمجلات والجرائد، وما تبثه وسائل الإعلام لا يعادل شيئاً من معرفة هؤلاء بالبحر وأعمال البحر وحياة البحر، حتى وإن كنت قريباً من كل هذا المحيط بك. وحده العمل وخوض الحياة اليومية والعملية في البحر والصيد والإبحار هو العلم الحقيقي، والخفي الذي يعلمه الصياد/ البحار عن طريق التجربة والصواب والخطأ أثناء الشغل والعمل، حتى الأسماء وطريقة نطقها هي الفيصل بين البحار وسواه. يسدل المساء ستاره على المرسى، أضاءت أضواء المراكب والزوارق، أنوار زرقاء، خضراء، بيضاء وحمراء، تحول حوض الماء/ البحر إلى عقد لؤلؤ يزين صدر المساء.. زاد الليل اقتحامه وظهرت النجوم ساطعة مضيئة، لم يقطع ذلك الهدوء غير أصوات الصيادين الذين انشغلوا في إخراج الأسماك من الشباك على الرصيف الإسمنتي. الآن، لم يعد الجلوس مع البحارة مناسباً، لا بد أن أغادر، لقد انشغل الرجال بالزوارق وأعمال البحر.