الذين تعوزهم الوسيلة والقدرة على ربط الأشياء بمسبباتها، وتقديم التحليل العلمي للوقائع، يهرعون نحو الحظ حسنه أو سيئه، ليجعلوه الفاعل المستتر للنجاح الكبير الذي يحققه ريال مدريد الإسباني، في تسيده للقب دوري أبطال أوروبا، أو في هيمنته الملحوظة على لقب «الليجا» الإسبانية.
ويتطرف بعضهم، وهم يعتبرون هذا الصعود المتكرر لريال مدريد للقمم، مجرد ضربة حظ، في التقليل من القدرات الرهيبة التي يملكها هذا الفريق، في مرجعيته التاريخية أولاً، وفي التزامه ثانياً بمعايير النجاح الرياضي في تواصل تطورها.
وما سمعته من بعضهم، وهم يقولون غداة تجاوز ريال مدريد لعقبة بايرن ميونيخ في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا بعد مواجهتين ملحميتين، ذهاباً في ميونيخ وإياباً بمدريد، أن الملكي ما عبر إلى النهائي الأوروبي، ليصبح أقرب للقبه الخامس عشر من حبل الوريد، وما تخطى الفريق البافاري، إلا لأنه تحصل على كمية حظ رهيبة، لا تتوفر لغيره من الأندية، حرضني للعودة إلى دفاتري الفلسفية القديمة، لعلي أجد فيها ما يساعدني على دحض نظرية الحظ التي تتآمر في واقع الأمر على جهد رهيب يبذله «الريال» ليصعد إلى المكان المحجوز للعباقرة والماهرين والناجحين.
واهتديت لما كنت أبحث عنه، وأنا اطلع على نظرية أبدعها من وحي التجربة، البروفسور ستيفن هيلز، رئيس قسم الفلسفة بجامعة بلومزبيرج، في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، نظرية علمية تفسر «سبب فشل البشرية المتراكم، في أنها كانت تقاتل وتسترضي طوال هذا الوقت وحشاً أسطورياً لا وجود فعلياً له، وأن كل الحكاية مرتبطة بنظرة الأفراد للعالم، وموقفهم الشخصي الذاتي من الأحداث حولهم».
بهذا المعنى فإن من يفشلون في ربط نجاحات ريال مدريد التي تعجز أحياناً كل وصف، برافعات النجاح ومسبباته، التي عليها يقوم صرح «الريال»، هم الذين يرتضون لأنفسهم العيش في جلباب هذا الوحش الأسطوري الذي هو الحظ، ومن دون حاجة للتفريق بين من يشهرون أسطورة الحظ حسداً أو جهلاً بقواعد التميز، فإن نجاح ريال مدريد هو نفسه يتحول لأسطورة، تبعاً لتركيبته وتوابله، والحالمون بالتميز يريدون أن يعرفوا لهذا النجاح لوناً وتركيبة.
قديماً قالوا، ولست أدري إن كانوا قد صدقوا في ذلك، إن الحظ لا يصاحب إلا الأقوياء، دلالة على أن الحظ بمفهومه الإيجابي لا القدحي، وهو عبارة عن «فرص عشوائية متداخلة» لا يُطوعه إلا الكبار، وبهذا المعنى، فإن فعل الحظ يُعرِّف بالريال وليس الريال هو من يُعرِّف به، إن الحظ هو من يدين بالريال، لأنه من طينة الأقوياء وليس العكس، وإذا كان كل تاريخ ريال مدريد، قديمه وحديثه، بجبال الألقاب المنتصبة في كوكب كرة القدم، هو سلسلة موصولة من ابتسامات الحظ، فإنني أنصح الأندية الأخرى حول العالم أن تترك كأس الأبطال للريال وتبحث لنفسها عن مسابقة أخرى.