رحيل وقدر محتوم
ترحل مرة أخرى، لأنه مكتوب عليك مواصلة الرحيل، تسير إلى قدرك المحتوم، إلى حيث تأخذك الحياة وتمضي بك الأيام والسنون، تحمل وطنك في صدرك، لأنه يعز عليك مفارقته، ولأنك تريده أن يبقى معك أينما ذهبت وحللت، ليبقى ونيس وحدتك كلما وجدت نفسك تتسكع في طرقات العزلة وصحراء الأحزان.
تحمل أشياءك السخيفة في ذهنك، لأنه لم يعد لديك مكان تستودع فيه آلامك وأحزانك، أوهامك وأحلامك، جنونك وعشقك، وتمضي مبحرا في فضاء الله تبحث عن حب وأمل وشيء ما لا يزال في علم الغيب. وعندما يفتك بك الشوق والحنين تضع الوطن أمامك، تعيش يومياته وتفاصيله، تجتر هواءه الذي تنفست، تسمو به وتعلو لأن كل خلايا الجسد تحمل جزءا منه. ربما تتوقف في محطات البؤس وتكمل رحلتك في كل الفصول، وتبقى هي مسافرة في شرايينك فمهما فعلت فلن تتمكن أبدا من النسيان لأن كل الأماكن تذكرك بها، وكل الفصول تحكي لك عنها وكل المدن التي تمر بها تخبرك عنها، وبين كل مدينة ومدينة تتوقف قليلا لتبحث عنها، فمن يدري لعلك تجدها.
وعندما تهاجمك هواجس القنوط، تهرب من نفسك ومن أشجانك إلى الفراغ لتعيش في أوهامك، لأنك تعرف أن الواقع أليم، وأنه لولا الأمل ما استطعت مواصلة الرحيل.
تصل إلى مدينة الخطيئة، تنغمس قليلا في أتون سعيرها، تستجير بأزقتها، بباراتها ونواديها، بأسواقها وزحامها، تتشرد، تتخلى عن ذاتك وعن كل ما يربطك بالماضي أو بالحاضر، تتحرر من كل شيء، لأنك تشعر كأن الأيام تمارس عليك لعبة عبثية، فتشعر بالتناقض والخواء فتبحث عن الخلاص العاطفي فلا تجد السلوى في غوانيها؛ لأنه محتوم عليك أن تبقى عاشقا إلى الأبد. فتقرر إكمال المسير، تسافر على قدميك أو تمتطي قطارا كلما سنحت لك الفرصة، تعبر قرى وبلدات لا تعرف اسمها ولا تكترث، تتسكع بضعة ليال على حافة التشرد كعابر سبيل يجوب الأرض بلا هدف وبلا دليل، تستعيد روح المغامرة، تسير شمالا إلى أن تصل إلى أطراف مدينة يقال لها “تشانج ماي”، حيث تقبع الجبال في عزلة أبدية، تقاسمها العزلة بعيدا عن الناس وعن زحام المدينة ولغطها، تشعر بالانسجام مع الطبيعة، بالهدوء وبالسلام فتقرر العيش في الغابة بين الأشجار، حيث لا يوجد أنس لكنك تعثر على كوخ قديم تسكنه أم حزينة وابنتها الحسناء، فتقرر البقاء في ضيافتهما قليلا ريثما يحين الموعد من جديد لإكمال المسير. تبادلك الفتاة نظرات الفضول، تضحك، تغريها الدهشة التي تصنعها في الكوخ القديم، وتلك القصص التي ترويها عن حبك وعن وطنك، حتى صارت تتمنى أن تكون لك.
وللقصة بقية..
rahaluae@gmail.com