ثقافة تطوير الذات
ينهل الغرب من كل ثقافات العالم من غير أن يشكل ذلك تهديداً لأصوله ومرتكزاته الحضارية. وتتنوع مكامن القوة الثقافية لديه بعد أن باتت مصادر المعرفة متاحة من كل صوب وغير محكومة ببلد أو أفق أو لغة بعينها. وهناك اليوم سباق وسعي في العالم كله لامتلاك واستهلاك (المعلومة الكونية) التي لا تنتمي إلى ثقافة محددة بل هي ملك للإنسانية كلها، ولذلك يستفيد هذا الغرب من فلسفة كونفوشيوس الصينية ويتلذذ برباعيات الخيام ويبدي إعجابه بأساطير الهند ومعتقدات التيبت من غير أن يضره ذلك في شيء. ولكن بالمقابل لا تزال مجتمعات كثيرة في الشرق، ونحن منها، ترفض أي نوع من التعاطي مع الثقافات الأخرى أو النهل منها حتى لو كانت هذه الثقافات مجاورة لنا منذ آلاف السنين.
وروعة الغرب أنه يملك ماكنة ثقافية عملاقة تصهر وتعيد إنتاج المادة والمعلومة والمكتشفات وتجييرها لصالح استمراره وسيطرته على جميع مناحي الحياة. وأقرب مثال على ذلك ما يطرح الآن في الغرب من ثقافة جديدة تنتمي إلى ما يعرف بمدارس تطوير الذات التي تحتوي على عشرات المناهج في كيفية مواجهة ضغوط العمل وتطوير مهارات الكتابة والسيطرة على النفس والغضب وطرد الأفكار السلبية وغيرها. ومثل هذه المدارس تعتمد في طرائق تطبيقها على مهارات وخبرات المتصوفين ورهبان الجبال مثل وضعيات الجلوس وطرق التنفس من الأعماق وتمارين التأمل الصعبة والسرية التي قدمها ومارسها الشرق منذ آلاف السنين، الا أنها تلاشت واختفت بعد طغيان المظاهر المدنية على هذه الأمم فابتعدوا عن مناحي تعاليمهم الروحية القديمة، لكن الغرب كان قد درسها وأعاد إنتاجها في برامج جديدة منقحة تصلح لاستهلاك أبناء المدن الكبيرة. ويوجد حاليا المئات من المعاهد والجامعات التي تقدم هذه المناهج العلمية المستمدة من فلسفات روحية. وبعضهم يمنح شهادات ودرجات علمية فيها.
هذه المناهج التي اختبرها الغرب في بداية القرن الماضي وأعاد إنتاجها بدأت تصلنا تدريجيا في السنوات العشر الأخيرة مع تطور الترجمات (رغم ندرتها) وبروز الحاجة الى مناهج جديدة تصلح لأبناء المدن. وخلال العقد القادم ستظل مجتمعاتنا بحاجة الى تراكم هذه الخبرة والى معاهد متخصصة كثيرة تستطيع أن تقدم (ثقافة تطوير الذات) وإيصالها لتكون جزءا من نسيج الحراك الاجتماعي العام لما لها من اثر فعال في الارتقاء بتعاملاتنا مع الاقتصاد والأدب والفنون والرياضة وغيرها.
على سبيل المثال، الأجانب ممن يعيشون في الإمارات لديهم مراكزهم وتجمعاتهم الخاصة وورشهم التدريبية التي تخدم تطوير مهاراتهم الروحية وفن سيطرتهم على جميع الضغوط التي يتعرضون لها بما يدل أن ثقافة تطوير الذات أصبحت جزءا من حياة هؤلاء، بينما نحن لا نزال نعرض عنها وننظر بعيون الشك والريبة إلى كل من يمارسها.
عادل خزام akhozam@yahoo.com