في تكامل العرب
لم تتورم دول إقليمية ولم تتضخم وتتجهم، وتقتحم الصحارى والبراري العربية إلا عندما أصيب الجسد العربي بالوهن والعهن، وعندما أصبحنا طرائق قددا، اليوم وبعد أن طاح الفأس بالرأس، واستيقظ المارد العربي بعد غفوة، أصبح من الضروري أن تلتحم الأعضاء وأن تنسجم ضمن وعاء المصالح الذاتية والقومية، والدرس أمام العرب بائن وواضح في الكيانات الدولية الكبرى، بدءاً من الاتحاد الأوروبي وانتهاء بدول بريكس التي تضم الهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل، وعلى الرغم من تباين التضاريس بين هذه الدول، والخلافات التاريخية بين دولها، إلا أنها استطاعت أن تتجاوز هذه العقبات، لأن المصالح الاستراتيجية أقوى من كل الشروخ والشقوق والالتواءات العضلية والمفصلية فيما بين تلك الدول، على خلاف ما يجمع بين الدول العربية من تاريخ وجغرافيا، ولو اجتمعت الإرادة لأصبح للتكامل الاقتصادي والسياسي، شأن يرهب له الجانب، ولما استطاعت الأطماع الخارجية أن تطل من نوافذ أو منافذ.. العرب أقوياء بتكاملهم، وضعفاء بتفرقهم، وبإمكان هذه الدول أن تشكل نظاماً عربياً يوحده الاقتصاد، ويلم شتاته الحلم، بقوة سياسية وعسكرية لمواجهة كل متربص ومتلصص، ومتخصص في الانتهازية، والفوضوية والتحريض والانقضاض على سيادة الغير.. بإمكان العرب أن ينتجوا نظاماً يمد الجسور فيما بينهم، ويجعل الكلمة ضد العدوان من الآخرين واحدة، وصارمة وحازمة وجازمة.. ما كان سيحصل تدخل إيراني في اليمن أو لبنان أو سوريا، أو أي مكان آخر، لو عرفت إيران أن العين حمراء وأن الأرض التي ستطأ أقدامها عليها حجر وليس زمراً.. اليوم وبعد كل هذه الاقتحامات، لا فرصة أمام العرب إلا التقاطع عند نقطة الكلمة الواحدة، والفكرة الواحدة، وهي رفض التدخل الخارجي، واعتبار الأرض العربية دائرة مغلقة، لا تسمح لتفوز من يريد تهشيم الجدار وجلب العار، وتحويل الديار باحة مستباحة، لكل من يريد أن يلعب الشطرنج على حساب السيادة العربية، وعلى حساب المصالح العربية، وعلى حساب مستقبل شعوبنا.
في التكامل العربي، يعني القوة الرابعة في العالم، اقتصادياً وسياسياً، بما تختزنه هذه المنطقة الحيوية من العالم، من قدرات طبيعية وبشرية وتاريخية وجغرافية. فالوطن العربي يتحكم بأهم الممرات والخلجان في العالم، ولهذه الأهمية كان لابد من استغلالها في كسب احترام العالم لنا، والتواصل مع الآخر بندية وتساوٍ في قطف ثمار المصالح المشتركة.. العرب بالمساحة الجغرافية بين قارتين، كان بإمكانهم أن يكونوا جسر المودة بين العالم، لا الانحناءة التي تؤدي إلى الوقوع على الأرض، ثم التزحلق على كثبان من الهزائم التاريخية.
العرب، يستطيعون بالتكامل، أن يهزموا ضعفهم، وينتصروا على من يستضعفهم، ويذهبوا إلى العالم بقلوب قوية يغذيها دم اقتصادي نقي، ويعضدها وريد سياسي برؤية واضحة، ويساندها وعي الشعوب بأهمية الاعتزاز بالوطن قبل أي شيء.