آثار التضخم
الضغوط التضخمية التي تراكمت على الاقتصاد الوطني لاسيما خلال الأعوام 2006 - 2008، وحتى قبلها، انحسرت بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وهبط مؤشر أسعار المستهلك العام الماضي إلى مستويات قد تعتبر مقلقة بالنسبة للنمو الاقتصادي المطلوب، إذ بلغ قرابة 1.5%.
وكذلك كان النمو الاقتصادي خلال الأعوام المذكورة، قوياً متناسباً نوعاً ما مع مستويات التضخم المحققة، مدعوماً بازدهار العقارات ورواج التدفقات المالية والاستثمارات.
وبطبيعة الحال، يرافق النمو الاقتصادي ارتفاع في الأسعار، ولكن قد يبدو الأمر أقل خطورة في الفترة الحالية، خاصة مع استقرار أسعار السلع والمواد الأساسية في الدول الصناعية المصدرة، التي تعتبر مصدراً مهماً للتضخم، بما يعرف بـ”التضخم المستورد”.
كما أن أسعار العقارات التي كانت تثقل كاهل المستهلكين تتخلى شيئاً فشيئاً عن المستويات القياسية التي بلغتها في صيف 2008، في عودة محمودة إلى المعقول والمقبول.
وإلى جانب تلك العوامل، ثمة تحسن ملحوظ في مستويات السيولة المحلية، أي أن التغذية المطلوبة لإنعاش الطلب المحلي حاضرة، ولكن بشكل مدروس من قبل البنوك، التي لم تعد تفرط بالسيولة المتوافرة لديها بسهولة.
لا شك أن الأزمة أعادت الألباب إلى أصحابها، وأدت إلى “عقلنة” طبيعة الاستهلاك والإنفاق والإقراض، ولجمت الانفلات الاقتصادي العالمي.
إذن الفترة الحالية ملائمة لتحقيق نمو جيد مع السيطرة على معدلات التضخم التي تنهش دخول الأفراد، وتنعكس سلباً على النمو الحقيقي.
بيد أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب توفير دعم أكبر ودفعة أقوى لقطاعات الإنتاج الحقيقي التي من الممكن أن تعين الاقتصاد الوطني على الوصول إلى مبتغاه، لاسيما الصناعة والتعدين، ورفع حصتها من الناتج المحلي.
كما أنه من المهم تحويل المصارف إلى إقراض تلك الجهات لتهيئة ظروف مؤاتية لنموها، والانصراف عن القروض الخالية من القيمة المضافة، وعدم المغالاة في منح القروض الشخصية.
ولكن تأمين الجبهة الداخلية لا يعني عدم مراقبة الخارج، إذ إن التضخم نجم أيضاً عن تراجع القوة الشرائية للدرهم خلال الأعوام التي سبقت الأزمة المالية العالمية بسبب ارتباط سعر صرفه بالدولار.
إذا بقيت أسعار الدولار مستقرة، هناك فرصة كبيرة لتحقيق معدلات نمو أكبر العام المقبل، طالما ظل مارد التضخم المرتبط بالسلع والخدمات والإيجارات في قمقمه.
baha.haroun@admedia.ae