بعث إليّ صديق برسالة نصية تضمنت فتوى عضو هيئة الإفتاء السعودية سابقا، الشيخ عبدالله بن جبرين، والتي دعا فيها الى معاقبة الصحفيين وكتاب الاعمدة الذين ينتقصون من شأن المشايخ والعلماء، وذلك بفصلهم عن عملهم وسجنهم وجلدهم، متهما المنتقدين بـ''الفسقة''· وقد نشرت تلك الفتوى في وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين· إن ما ذهب اليه الشيخ بن جبرين يندرج ضمن فتاوى الغلو التي لا تخدم سوى من يريدون الحجر على حرية الفكر وفرض وصايتهم عليه، والعودة بالانسانية الى عصور محاكم التفتيش· وإلا من ذا الذي ''تطاول'' على ''العلماء ورثة الانبياء'' من دون علم او حجة او برهان· ثم من الذي يحدد حجم ونوع '' التطاول''؟!!· نحن هنا نفخر بدعم لا محدود من لدن أولي الامر، حيث يمنع سجن صحفي بسبب كتاباته او عمله، ونجد'' القلوب قبل الابواب'' مشرعة للاستماع الى كل قلم صادق تنبض كلماته وحروفه بهواجس تهم الصالح العام· بينما البعض يريد العودة بنا الى العصور الوسطى باسم الدين، وهي دعوات لا تبعد كثيرا عن توجهات القتل باسم الدين، روج ويروج لها الذين لا يتوانون عن تكفير واهدار دم من يختلف معهم في موقف او رأي· ومن تابع مفتي جلد الصحفيين، ومن قبله مجيز قتل اصحاب الفضائيات'' المفسدة'' يجد انها فتاوى اطلقت على الهواء مباشرة، وفي ردود على اسئلة على الهواء وعبر منابر اعلامية، كما لو أن المراد إيصالها الى اكبر دائرة ممكنة· إن اصوات الاعتدال في عالمنا العربي والاسلامي ومرجعياته مدعوة للتصدي لمثل هذه الدعوات، وهي تتداخل لدى العوام ، وتلقي اصوات الغلو تلك اصداءها في دوائر الفكر المنحرف والفئات الضالة التي نصبت نفسها حامية للديار وحاملة لواء الدين، وقد تابعنا ابناء هذا الفكر المضل وهم ينحرون الابرياء في الرياض وبغداد والجزائر باسم الدين وبحجج قائمة على فتاوى الغلو والتطرف· هذه الدعوات المراد منها تخويف العقول قبل الاقلام علينا الوقوف أمامها، ورفضها بحشد علماء المسلمين ليظهروا للناس كافة، وسطية دين الحق الذي يدعو للعلم واعتماد الحجج والبراهين والشواهد، ويرفض إقصاء الآخر، ويحترم هذا الاخر مهما كان لونه او جنسه او معتقده، واحترام الآخر هو احترام للاختلاف، كما حدد مراجع وضوابط التعامل مع الاختلاف ، ليس من بينها إطلاق الاحكام من على المنابر بالقتل وإهدار الدم والتكفير· وما قد لا يعلمه مروجو قتل اصحاب الفضائيات'' المفسدة'' و''جلد الصحفيين'' أن آراءهم تلك كانت مادة دسمة طازجة للذين اجتمعوا امس من متطرفي الجانب الآخر في مدينة كولن الالمانية امس الاول لتحذير اوروبا من ''خطر الاسلمة''!!· ولا نقول ونحن نشهد العشر الاواخر من شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، سوى اللهم احم دينك من الغلاة، وردنا إليك ردا جميلا·