بعد ظهر أمس الأول، كان أحد المواطنين يستوقف عمالا آسيويين في فرع إحدى جمعياتنا التعاونية في منطقة البطين بأبوظبي، علَّ أحدهم يدله على الرف الخاص بالدبس· حاول إفهامهم طلبه، وهو يقول لهم دبس أو عسل النخل أو التمر، فلم يجد سوى رؤوس تهتز بالعبارة الشهيرة ''أرباب ما في معلوم''· فتركهم غاضبا وهو يحوقل· عاملة فلبينية علقت على المشهد قائلة لزميلها الهندي'' ما بال هؤلاء المواطنين يغضبون، لأننا لم نفهم ما يريدون؟''· ولأنني كنت قريبا منهما، رددت عليها'' ولكن من حقه أن يجد من يفهم لغته وهو في بلاده''· فأسقط في يدها وهي لا تدري بما ترد بعد أن فوجئت بأن هناك من فهم ما قالت بالإنجليزية· تعليق يكشف الحد الذي بات البعض فيه يستكثر علينا أن نسأل بلغتنا العربية، لغة البلاد وأهلها، ومع المشهد استعدت عشرة أيام كالدهر قضيتها في إسبانيا، حيث لا تجد من يحدثك بالإنجليزية أو سواها من غير الإسبانية إلا في الفنادق أو الأماكن السياحية، وعانيت أشد المعاناة من جراء ذلكم الأمر في بلد يعد الوجهة السياحية الأولى في العالم، ويستقبل سنويا ما لايقل عن 60 مليون سائح· ولكن من نلوم فيما وصلت إليه حال اللغة العربية، إذا كنا نجد دوائر حكومية لا زالت حتى الآن تتعامل بالإنجليزية فقط دون سواها؟!· حتى هيئة الهوية إلى وقت قريب كانت تعلن عن الأرقام الخاصة بدور مراجعيها بالإنجليزية قبل العربية، رغم أن العملية لا تحتاج أكثر من إعادة برمجة للجهاز· ولكن القائم على الأمر لا يدرك دلالة أن تكون العربية قبل الإنجليزية في هيئة مسؤولة عن بطاقات الهوية في سنة الهوية في عام القرار التاريخي لمجلس الوزراء بإعادة الاعتبار للغة العربية في دولة اسمها الإمارات العربية المتحدة· دوائر وجهات عدة لم تستوعب بعد معنى القرار وأبعاده· حتى في مدرسة الإمارات لتعليم قيادة السيارات كل الدعوات والتعليمات للمراجعين بالإنجليزية· هل كثير علينا أن نطلب من غير العرب إجادة العربية كشرط للإقامة والعمل، كما نفعل دول مثل إسبانيا وألمانيا وغيرها تحت ذرائع ضمان اندماج الأجانب في المجتمع الذي يعيشون ويعملون فيه· قرار مجلس الوزراء بإعادة الاعتبار للغة القرآن الكريم جاء في إطار توجه عام للدولة لترسيخ الهوية والشخصية العربية للبلاد، وهي شخصية تتعرض للاستلاب ويتهددها الخطر جراء الاختلال الفادح في التركيبة السكانية· ومن فرط تفريطنا في لغتنا الأم، يعتقد حتى بعض الأشقاء العرب أن هذه اللغة المكسرة والركيكة'' الأردو عربية'' هي لهجة أهل الإمارات· ونحن عندما نصر على التمسك بلغتنا، فذلك لا يعني عدم تعلم الإنجليزية وغيرها من اللغات العالمية الأخرى· واليوم وبعد كل هذه الشهور على قرار مجلس الوزراء باعتماد اللغة العربية، لم نسمع عن أية جهة رسمية أو وزارة رفضت تسلم خطاب وردها بغير اللغة العربية، بل تابعنا قيام جهات ودوائر رسمية تنشر إعلانات خاصة بطلب موظفين لها أو لمناقصات لمشروعاتها باللغة الإنجليزية في الصحف المحلية الصادرة باللغة العربية· إن الأمر بحاجة إلى وقفة حاسمة، ويا طالب الدبس لا تأسى، فهم يريدونك غريب الدار، وأنت في دارك!!·