من قتل هيلة العريني؟
توأمان خرجا في ساعة واحدة من بطن أمهما، فقررا أن يقتلاها في ساعة، وبيد واحدة تناوبا على طعنها، لأنها رفضت سفرهما إلى سوريا، وهددت بالإبلاغ عنهما إذا سافرا، فما كان منهما إلا أن قررا قتلها لأنها أصبحت في نظرهما «زنديقة».. فبأي ذنب قتلت الأم هيلة العريني التي فجعت المملكة العربية السعودية والخليج بأسره بخبر مقتلها على يد اثنين من أبنائها، تعاونا ضدها في ليلة رمضانية مباركة، ليتركاها غارقة في دمائها بعد أن فشلا في قتل والدهما!
أي قلب وأي يد وأي ضمير ذلك الذي يجعل شاباً في مقتبل العمر يقتل أمه ويحاول قتل أبيه؟ وأي فكر منحرف وأي عقيدة فاسدة تدفع بهؤلاء إلى هذه التصرفات الوحشية التي لا تمتّ للدين ولا للبشرية بشيء، بل وترتجف منها الحيوانات رعباً؟ فعلاً إنها من أبشع الجرائم التي يمكن أن نسمعها، لكن لا يكفي أن نقف متسائلين عما يحدث وغاضبين فقط.
بكى البعض وصرخ الجميع: إنهما «داعشيان» وإنهما تربية هذا الفكر الإرهابي الدموي الفظيع الذي يجب محاربته، لكن هذا ليس كل شيء، فصحيح أنهما تأثرا بـ «داعش» وخطابه الإرهابي العنيف، لكن المسألة أعمق وأبعد من ذلك، فالخطاب الديني الذي يتعرض له الشباب خطاب عنيف ومتطرف، ويرفض الآخر بالمجمل، وهذان التوأمان اللذان تلطخ وجهاهما وقلباهما قبل أن تتلطخ أيديهما بدماء أمهما وأبيهما قد يكونان «ضحيتين» أكثر من كونهما مجرمين، فالخطاب الديني المتطرف يستهدف هؤلاء الشباب في مثل هذا العمر، وبعض رجال الدين من أصحاب الأجندات أو المتشددون كذلك يتحملون ظهور مثل هذه النوعية من الشباب الذين يشعلون حماسهم لـ «الجهاد»، ولا يمكن أن نتغافل عن بعض الكتب التراثية والدينية القديمة التي يعبث فيها أصحاب الفكر السيئ والتي يغوص فيها بعض الشباب بحثاً عمّا يبرر لهم أفعالهم الشنيعة، فهل نتحرك ضد هذه «الأخطار» أم سنكتفي بقطع رأسي التوأمين؟
إذا كنّا لا نريد فعلاً أن نسمع عن ابن يقتل والده أو والدته أو أخ يقتل شقيقه أو شاب يقتل ابن عمه، فلنجب عن سؤال مهم وهو: من قتل هيلة العريني؟.. ولنبحث في أصل المشكلة، وأصل المشكلة ليس «داعش»، فـ «داعش» هو الذي يشغل العالم عن العدو الحقيقي، و«داعش» هو القشرة التي تستبدل بغيرها، في حين أن الجذور باقية، وكلما قضينا على مجموعة إرهابية خرجت لنا غيرها من أصل تلك الجذور التي تجاهلناها طويلاً.
المضحك المبكي في حادثة مقتل هيلة العريني، هو تعليقات «مشايخ الفتنة» الذين عزّوا وواسوا وسكبوا دموع التماسيح على مقتل الأم، وهم سبب أساسي في غرس بذور الفكر المتطرف والإرهاب في قلوب وعقول شبابنا، فليتهم يصمتون ويخرسون.