في صناعة تتجدد بالابتكار والمحتوى النوعي كصناعة الإعلام، لا يوجد كبير أو صغير وإنما البقاء للمتجدد القادر على تنويع أدواته وابتكاراته. في قمة أبوظبي للإعلام 2010 التي اختتمت في عاصمتنا الحبيبة كانت فرصة كبيرة للاستماع لآراء ومداخلات خبراء في هذه الصناعة وتجارب من مختلف أنحاء العالم الذي يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ البشرية، وهي تطل على الإعلام الجديد والإعلام الرقمي. وقد تابعت هذه القمة عن كثب، وتابعت ايضاً أصواتاً ارتفعت على الجانب الآخر في معسكر الإعلام التقليدي غير القادر على استيعاب حقائق عالم اليوم. في هذه القمة ُتوجت أبوظبي كلاعب جديد وشريك مستقبلي ومساهم فاعل في صناعة هذا الإعلام الجديد. خبراء ومختصون من العيار الثقيل في هذه الصناعة من أمثال اريك شميت رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة “جوجل” يرون في أبوظبي مثالاً رائعاً لقيادة المنطقة في عالم الإعلام والإنترنت، وهي شهادة لا يستند إطلاقها على مظاهر ما ترى من أبراج شاهقة فحسب، بل من بنى تحتية استثمرت فيها أبوظبي استثماراً بعيد المدى يجعل من المنطقة الإعلامية “تو فور فيفتي فور” بيئة تستفيد من صناعة ابتكارية وتسويقية يتوقع الخبراء أن تتجاوز عائداتها بحلول 2020 أكثر من 50 مليار دولار. ريادة تستند إلى حقيقة أن الإمارات في يومنا هذا تملك أحد أكثر البنى التحية تطوراً في مجال الاتصالات في العالم. وأن أكثر من 90% من البيوت فيها متصل بشبكة الألياف البصرية بحلول نهاية العام الجاري. ريادة تمثلت في هذه المشاركة العالمية الكبيرة في القمة من قبل أسماء لامعة وبارزة في صناعة الإعلام والترفيه. ريادة تمثلت في اختيار قطب إعلامي كبير كما مؤسسة “فوكس العالمية” أبوظبي مقراً لعدد من وحداتها الإنتاجية بديلاً عن هونج كونج. وقد أعجبني قول أحد المشاركين في القمة عندما دعا العرب الى عدم تفويت فرصة الثورة الثالثة التي يشهدها العالم اليوم وتتمثل في ثورة الاتصالات بعد أن فاتتهم من قبل “الثورة البخارية والثورة الصناعية”. لقد كانت قمة أبوظبي منصة مناسبة للاطلاع على التحديات التي تواجه العالم، وبالذات في هذه المنطقة من العالم فيما يتعلق بتجسير الهوة المعرفية القائمة، وفي الوقت ذاته استنهاض الهمم والقدرات والامكانات للارتقاء بصناعة لا تعرف حدوداً، وفي قطاع تقفز الأرقام فيه قفزات فلكية. وفي الوقت الذي تراهن فيه البشرية على قطاع تكنولوجيا المعلومات والإعلام الرقمي لدحر الجهل والأمية وسد الفجوة في التنمية الاقتصادية، نجد أن البعض في عالمنا العربي يبكى اللبن المسكوب، من دون أن يتوقف أمام مسؤولياته في ذلك ويحاول الارتقاء بمحتوى الإعلام الذي يقدم للآخرين، بعد ان فشلت مدارس الإعلام التقليدي في خلق جيل جديد قادر على التعامل بثقة واقتدار مع أدوات العصر وخطابه الجديد، والذي معه يجري تغيير قوانين “اللعبة الإعلامية”. لذلك نرى مستقبل هذه الصناعة انطلاقاً من أبوظبي، من خلال حقيقة ذكرها محمد خلف المزروعي رئيس مجلس إدارة “أبوظبي للإعلام” لدى افتتاح القمة “بأننا اليوم نعيد صياغة القواعد، فلم يعد يرضى المستهلكون بتلقي المعلومات، وإنما اصبحوا أصحاب قرار”.