أول خبر ثقافي استهل به العام الجديد إطلالته، هو إعلان اتحاد الناشرين المصريين أنه سيطلب من الجيش توفير الحماية الأمنية اللازمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، على غرار الحماية التي أمنها للانتخابات الديمقراطية في البلاد. المعرض سوف يقام هذا الشهر إن لم يتم تأجيله، أو الشهر المقبل لو تأجل، أو العام المقبل (إن شاء الله), لو ظهر ما يحول دون تأمينه هذا العام (لا سمح الله). وكلنا يذكر أن دورة العام 2011 من المعرض قد ألغيت بسبب اندلاع ثورة 25 يناير قبل بدئها بأيام.. وسواء أقيم المعرض هذا العام أم لا، فإن الثابت هو أن الكتاب أصبح يحتاج إلى البندقية لكي تحميه. اجتهد وجاهد الناشرون، طيلة الحقب الماضية،من أجل توفير ضمانات تدعم صناعة الكتاب وتساهم في تطويرها: حرية الرأي والكتابة أولا، والإعفاءات الضريبية والجمركية ثانيا، ورفع الحواجز أمام الحركة والتصدير ثالثا، وتنفيذ تشريعات حماية الملكية الفكرية رابعا الخ.. اليوم يطلبون البندقية لكي تكون حامية الكتاب، في معرضه السنوي، وربما في وجوده لاحقا.. وهو مطلب له دلالاته، في سياق سنة التحولات التي أعطيت تسمية “الربيع العربي”. وهي تسمية مواربة، خلخلت دورة الفصول وافترضت تفتح الزهور في عز الخريف.. انطلقت سنة 2011 وانطوت، وما زالت أصداء ذلك النشيد الذي اخترق العقول والقلوب تتردد إلى ما لا نهاية: “الشعب يريد...”. نعم، الشعب يريد الحرية، والكرامة، والديمقراطية، والعمل، والصحة، والتعليم، والتطور، والحداثة، والاستقلال، والنزاهة، والحق. كلها عناوين لمشروع سياسي قامت عليه أصلا الدولة الوطنية العربية (أو بشكل أصح النظام السياسي العربي)، التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد عقود من الفشل والإفلاس في تحقيق هذا المشروع، عاد الشعب ليدغم تلك العناوين القديمة في نشيده المدوي. والفارق أن الشعب رفع تلك العناوين قبل عقود طويلة، تحت رايات حركات الاستقلال عن الأجنبي، التي أنتجت أنظمة كانت محصلة تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية. أما اليوم، فإن الشعارات نفسها ترفع تحت راية التخلص من الأنظمة التي أنتجتها تلك التسويات. فماذا كانت النتيجة، حتى الآن على الأقل؟ إنه سؤال واضح لا يحتمله واقع الغموض القائم. غموض يستلزم أسئلة أخرى تكمل السؤال الأول: هل انتهى منطق التسويات الذي أنتج أشكال النظام السياسي العربي قبل عدة عقود؟ وهل تؤسس التسويات الجديدة لنظام سياسي مستقر، تداولي، متجدد، أم أنه سيقوم على عمر افتراضي لن يمتد به أكثر مما عاشه النظام السابق؟ وهل أدوات إنتاج النظام الجديد، أي الديمقراطية والانتخابات، ستلزم القادمين على صهواتها بآلياتها؟ أي، هل تنتج الديمقراطية ديمقراطيين؟ وهل تعتبر صناديق الانتخاب ضمانة كافية لحق جميع الأصوات في التأييد أو المعارضة؟ وهل تكون السلطة بديلا من الشعار، أو من مضمون النص السياسي خصوصا في أبعاده الوطنية والقومية؟ تلك أسئلة جاءت الإجابات عنها أسبق منها. إجابات تدعو للقراءة خارج النص بتوسع أكثر من القراءة في متنه. فزمن التسويات، عادة، يسوده الغموض وتقوده الالتباسات. والالتباسات التي شهدتها الساحات والميادين العربية في العام 2011 تجعل من الصعب التبيّن من الذي سقط ومن الذي نهض، من الذي ذهب ومن الذي جاء. وكأن تلك المقولة الذهبية عن الثورات، في كل عصر وميدان، ما تزال صحيحة: الثورة يصنعها الأبطال والشهداء ويحصد ثمارها الانتهازيون. ينطوي العام 2011 على غموض، ويحل العام 2012 بكثير من الالتباسات، تجعل الكتاب يطلب من البندقية أن تحمي وجوده.. adelk58@hotmail.com