عشية اختتام معرض ابوظبي الدولي للكتاب، كنت أتجول بين أجنحته وأروقته عندما لمحت معالي راشد عبدالله وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق، وكانت فرصة لا تعوض لأستكشف ما يبحث عنه الرجل الذي ساهم في بناء وقيادة دبلوماسية الامارات في مراحل التأسيس المبكرة مع معالي أحمد خليفة السويدي وغيرهم من رجالات الرعيل الاول. خاصة أن صاحب “شاهندة” أديب وإعلامي ممن لهم بصماتهم على اعلام الإمارات في مراحل مبكرة من مراحل البناء والوطني ووضع اللبنات الأولى لصرح الامارات الشامخ، قبل أن تجرفه عوالم الدبلوماسية في أوقات عصيبة مرت على منطقتنا الخليجية وعالمنا العربي بأسره. وبعد السلام والاطمئنان على الاحوال وجدته منشغلا بغياب مكتبة مدبولي عن عرس ثقافي دولي كبير بحجم معرض ابوظبي الدولي، وتشعب الحديث حول توظيف إرث ناشر بدأ حياته أميا يبيع الكتب على عربة قبل أن يتحول الى أحد أهم اللاعبين في عالم نشر الكتب على مستوى الوطن العربي. كان يحرص دوما على التواجد في معارض الكتب على امتداد هذا الوطن العربي الكبير. من دون النظر للكتاب بمنظور الربح والخسارة، وإنما رسالة سامية تحمل أهدافا مجيدة نبيلة. وكيف قام عندما ُضّيق الحال على الكتاب وأهله باتخاذ سور الازبكية في قلب قاهرة المعز معرضا مفتوحا لإصدارات مكتبته، وما آل اليه الحال بعد رحيل الحاج، لتخسر معه صناعة الكتاب والنشر أحد رموزها وروادها خلال العقود الخمسة الماضية. وعندما كنت في القاهرة فبراير الماضي افتقدنا وقفته المعتادة على باب جناحه في معرض القاهرة للكتاب، ولكنه كان قد انتزع لأهل السور مكانا مميزا في ذلك المعرض المترامي الاطراف بمدينة نصر. ودعت ابا عبدالله وهرعت لألحق بالسفير السويسري ولفجانج أميديوس الذي كان قد صادفني في أحد ممرات المعرض ودعاني لحضور منافسة في الطبخ بينه وبين نظيريه التركي والارجنتيني، اعتقدت للوهلة الاولى أنه يمزح، وعندما توجهت الى ركن الطبخ وجدت السفراء الثلاثة بأردية وقبعات “الشيف” وقد انغمسوا في سباق لإعداد أطباق خاصة من بلدانهم، ويستعرضون مكوناتها وطرق اعدادها، ويبلغون المشاهدين أنهم ظلوا شهرا بأكمله يتدربون لأجل هذه اللحظة. كان معظم الجمهور من السيدات اللائي لم يكن أغلبهن يصدق ان الذين أمامهم سفراء دول ودبلوماسيون محترفون، نجحوا في انتزاع الاعجاب لبعض الوقت من” الشيف اسامة” وسيدة الطهي منال العالم !. وطافت عينات من الطبيخ الدبلوماسي على الحضور الذين ارتسمت على محياهم دلائل وعلامات الاستحسان، بينما كنت أتابع الجدية التي يتعامل بها هؤلاء مع الامر، وهم ينظرون لهذا الامر على أنه جزء من مهام الدبلوماسي في التواصل مع المحيط الذي يعمل فيه وبناء جسور من الصداقة وتمتين عرى تلك الروابط. ومقابل تلك الصورة ترى البعض من العاملين في الحقل الدبلوماسي كما لو أنها مهنة الانغلاق والانعزال والابراج العاجية، حيث لا تواصل الا من خلال الابواب الرسمية، وتنظر الى أمر كالذي شهدته على انه انتقاص من مهابة المنصب بينما يراه آخرون منطلقا لاقتحام عوالم وميادين غير مسبوقة في العلاقات العامة والتواصل، من باب “الطبيخ الدبلوماسي”، وقديما قالوا “السياسة طبخ”!!. علي العامودي ali.alamodi@admedia.ae