بينالي الشارقة لفنون الأطفال
“لو كانت الأرض مربعة، لوجدت زاوية أختبئ فيها”، جملة كتبتها طفلة في السابعة من عمرها، تترك وقعاً جمالياً سيستمر بلا انتهاء؛ حساباً على أن مَن كتبتها طفلة، والمعنى المُدْرَك يتجاوز في عُرف العاقلين – عُمراً - تجاوزاً لآلية التفكير النمطية. فعالم إنتاج اللغة عند الطفل يُفاجئنا دائماً بأبسط الحقائق التعبيرية، خصوصاً إذا ما قارناه بإنتاجنا نحن الكبار. نحن مستعدون دائماً للانبهار بالطفل، بتصرفاته، حركاته، تعبيراته. كان “بيكاسو” في سنينه الأخيرة، وبعد تجربة رسم مليئة بالتنوع والتوجهات النظرية الكثيرة، يقول إنه يريد أن يرسم كطفل، دخولاً إلى غِنى العلاقات الشكلية واللونية البصرية ذات القوانين المفتوحة على وعي مُطْلَق. وهذا ما يَطرح على كل فترة حياتية عصيبة كانت أم لا؛ مفهوماً للمستقبل يتمثل في أن الطفل هو الأمل، رغبةً في إصلاح الحالي من أجل اللاحق، والطفل هنا رمز لما لم يلوث بعد، ورمز لإمكانية تجاوز العثرات، ورمز للطبيعة البِكر التي لم تفسد بعد، لذلك قضية أطفال الشوارع في العالم كله قضية سياسية تشكل ترمومتر لقياس نسب الفساد الإداري الاجتماعي، ولذلك أيضاً تشكل جثث الأطفال في الحروب الذريعة الأكبر لإبانة مدى وحشية الصراعات القاتلة.
«من أول السطر» هو شعار بينالي الشارقة الدولي الثالث لفنون الأطفال، دلالةً إنسانية دائمة على الرغبة في بدايات جديدة، حيث كل بداية فرصة لمعالجة أو ضبط وضعيات بحاجة لضبط، وليست فكرة المناداة المنتشرة للهويات الوطنية سوى سعي للحفاظ على عدم تماهي الثقافات الخاصة في أفكار عامة، وفقدانها لنكاهاتها الخاصة، وهذا ما تطرحه المقاومة لفكرة العولمة، ليس فقط كتوجه سياسي، إنما أيضاً كقراءة مشتبكة وغير ناجزة مع القيم التكنولوجية الجديدة لصناعة وجود الإنسان على الأرض، إن ثمة تشكلاً مختلفاً لإنسان بدأ في التحقق، ولم تعد الحدود الجغرافية للدول سوى علامات تسهيل إدارية لمناطق أرضية، إذ تَخَلَّق التواصل الإنساني عبر أدوات الاتصال الحديث عن بشرية لا يمكن اعتبار اللغة فيها لغة مجموعات أو أعراق أو ثقافة ما، رجوعاً بذلك إلى تعريف اللغة على أنها كائن داخلي، ما يطرح على ألسنة العالم المختلفة لسان واحد؛ ألا وهو «أرض غير مربعة، حيث لا حاجة لزوايا للاختباء»، بناء على فهم ما لإنسان جديد عابر لإنسان القديم.
المميز في الدورة الثالثة للبينالي وبحسب القيم الفني د. محمد أبو النجا، هو المشاركة التفاعلية للطفل، وتعدد أشكال التعبير البصري المنبثق عن التكنولوجيا، وعدم الاعتماد على التصوير والرسم التقليديين فقط، فهناك وبيد الأطفال أفلام تحريك، ومجالات تعبير بالكوميوتر جرافيك، والفوتوغرافيا الرقمية وأعمال مركبة في شكل مشاريع جماعية، رغبة في رصد نفسية جيل الأطفال الجدد بين مختلف الثقافات.
“بينما كنت جالساً وحيداً في غرفتي، أرسم باقة من الزهور، حط طائر على النافذة، فقررت رسم الطائر أيضاً« هكذا وفي هذه القصة الذي كتبها طفل في التاسعة، يمكن لشعار البينالي« من أول السطر»، أن يكون شعاراً مستمراً للحياة، ليس دفعاً لقيمة وقوة الأمل، بل عملاً بما وصل إليه الإنسان على الأرض، لتهيئة النتائج لمصلحته.
amzf@live.com