لقد كان هذا هو عام النشيد الوطني الأميركي، ولم يحدث من قبل أن كان الكثير من الأميركيين مهتمين بشدة بتفاصيل أدائه. وجرت مناقشات مطولة حول ما إذا كان المقطع الثالث من نشيد «الراية الموشحة بالنجوم» عنصرياً، ومعظمها أجريَ بواسطة أشخاص لم يكونوا مدركين من قبل أن النشيد الوطني به مقطع ثالث. وقرر أحد الفصائل أنه في بلد يكفل قانون الحقوق به حرية التعبير، فإن رفض الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني كان قريباً من الخيانة. وذكر فصيل آخر أن الركوع كان عملاً وطنياً للغاية، ورغم ذلك فهو أيضاً، بطريقة ما، شكل ممتاز للاحتجاج ضد المجتمع الأميركي. وأشار فريق ثالث إلى أننا ربما يتعين علينا التوقف عن عزف النشيد الوطني في المناسبات الرياضية. ويحاول الأميركيون الذين يرفضون الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني توضيح نقطة مهمة، وكذلك أولئك الذين يجادلون لاختيار شكل مختلف للاحتجاج. هناك شيء يقال لكلا الجانبين. لكن لا شيء يمكن قوله عن التخلص من عزف النشيد في الأحداث الرياضية، باستثناء أن الفكرة ساذجة بشكل صادم فيما يتعلق بما يجب عمله للحفاظ على وحدة البلاد. لقد أصبحت «القومية» كلمة مستهجنة في العصر الحديث، بعد أن أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقمع الأقليات والطموح الإمبريالي. لقد نسينا أن القوميين بدؤوا فعلياً في القرن الـ19 بمشروع صعب: إقناع الجميع بالتفكير في أنفسهم كوحدة واحدة. وكان هذا عملاً شاقاً للغاية استغرق معظم القرن لاستكماله في أماكن مثل إيطاليا وألمانيا واليونان. ولقد فشلنا في تقدير ذلك فقط لأن جهودهم كانت ناجحة للغاية لدرجة أننا يمكننا الآن اعتبار النتائج أمراً مفروغاً منه. وبالطبع، هناك سبب وجيه لأن تصبح «القومية» في نهاية الأمر كلمة مستهجنة، وأحياناً يؤدي السعي لإقامة دولة قومية إلى تطهير داخلي للأقليات وإلى تنظيم حملات غزو خارجية. وكما ذكر عالم النفس الاجتماعي «جوناثان هايدت»، فإن نوعنا في المقام الأول هو «أننا نميل إلى تكوين الجماعات». ومعظمنا لا يريد التفكير في المكان الذي يعيش فيه باعتباره مجرد نوع آخر من اختيار المستهلك، والتفكير في جيراننا، باعتبارهم لا شيء أكثر من زملائنا المستهلكين، ولنفس الأسباب فإننا نفضل امتلاك المنازل على العيش في فندق. وأوصلت القومية غريزة الميل إلى تكوين جماعات إلى تأسيس الدول. وبعد ذلك استخدمت بعض تلك الدول القوة الهائلة للتواجد في جماعات بأعداد كبيرة لارتكاب فظائع كبيرة. ومن المفهوم أن العديد من الناس رفضوا أي إشارة إلى القومية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لكن اللحظة السياسية الحالية توضح حدود هذا النهج: فنزعة الميل إلى تكوين جماعات لم تختفِ، ولم تزدد لتصبح هوية جماعية في البشرية جمعاء. لكنها، بدلاً من ذلك، تراجعت لتصبح تفشٍ عالمي للخصوصية الشعبوية. وهذه الخصوصية تهدد بتمزيق الولايات المتحدة فيما تفقد القبائل المتناحرة القدرة على القيام بأي شيء معاً. وإذا كنا سنواجه هذه الحرب الأهلية الناعمة، فسنحتاج إلى الوطنية القوية التي تركز على قواسمنا المشتركة بدلاً من اختلافاتنا. وبالطبع، فإن مثل هذه الوطنية يجب ألا تكون إمبريالية «استعمارية» أو عنصرية. وهذا يعني أننا بحاجة ماسة إلى العَلَم والنشيد الوطني وكل الرموز المشتركة الأخرى التي تكون خفيفة على السياسة وثقيلة على الرمزية. نحن بحاجة إلى الكثير من هذا، وليس إلى تقليله، فجماعتنا تتكون من 328 مليون أميركي، كلنا نتقاسم الدولة والعقيدة، نشيداً وعلَماً، وشعور عميقاً بالالتزام المتبادل الذي تنطوي عليه كل هذه الأمور. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»