في حدث عالمي انفردت به دولة الإمارات العربية المتحدة، وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ورعاه، تم في 29 فبراير 2024 إطلاق «مبادرة محمد بن زايد للماء» لكي تتعامل مع التحدي العالمي الذي تواجهه البشرية حول ندرة وشح المياه.
وتأتي هذه المبادرة الفريدة من نوعها لكي تؤكد إدراك دولة الإمارات مشكلة عالمية كبرى سيواجهها العالم قريباً إذا لم تعمل دوله، كل منها على حدة ومجتمعة على تداركها، والحد منها، وعلى الالتزام بمواصلة الجهود التي تبذلها الدولة منذ مدة التزامها الذي قطعته على نفسها بالإسهام الجاد في التخلص منها، وإيجاد الحلول المستدامة لها التي تضمن توفر المياه العذبة الصالحة للاستخدامات الإنسانية للبشر جميعهم.
ومن أسباب طرح «مبادرة محمد بن زايد للماء»، نظرة دولة الإمارات المستقبلية إلى أن المياه قد تصبح سبباً للحروب في الآتي من السنوات نتيجة لشحها وندرتها، والإمارات ترغب في إيقاف مُسبب قد يُشكل عاملاً رئيساً مستقبلياً لنشوب حروب المياه. ومن هذا المنطلق يمكن الإشارة بأنه فيما يتعلق بالمتخصصين في العلاقات الدولية تدور العديد من الحوارات حول الآفاق المستقبلية لحروب المياه التي أصبحت نمطاً معرفياً تظهر ملامحه، وتتطور شيئاً فشيئاً. وتوجد مسألة في حقل العلاقات الدولية تتعلق بموضوع التفاؤل، وما يقابله من تشاؤم يظهر لدى جميع من يتعامل مع هذا الحقل من حقول المعرفة في علم السياسة متعلقة بالدور المستقبلي الذي تلعبه الحروب بين الدول بأنواعها كافة، ومنها حروب المياه القادمة، ودورها في النظام العالمي القائم. وتتعلق فكرتنا وطرحنا التحليلي في هذا المقام بما تسوقه المقولة التقليدية بأن توفر المياه للجميع ستجعل نشوب حروب المياه أقل احتمالاً.
لقد أسفرت الحروب الكثيرة التي نشبت عن نتائج مؤلمة تدفع البشرية لجعل عالمها أكثر أمناً وسلاماً، وعن إحياء الآمال التفاؤلية بأن تحقق أفكار ومبادرات من قبيل «مبادرة محمد بن زايد للماء» النجاح المطلق، خاصة ما يتعلق بالجانب المرتبط بالتخلص من حروب المياه المستقبلية. ولعل الإيقاف المسبق لحروب المياه والتخلص منها يؤدي دوراً، ويخلق أجواءً من التفاؤل حول مستقبل العلاقات الدولية عموماً، والحروب حول المياه خصوصاً.
ومن تمعننا الدقيق في تفاصيل بنود «مبادرة محمد بن زايد للماء» تكونت لدينا نظرة تفاؤلية بأنها ستؤدي إلى منع حروب المياه لو أن الدول اجتمعت متعاونة على تطبيق ما ورد فيها تعاوناً صادقاً. ولو أن المساحة المخصصة لنا في هذا المقام تتيح ذلك لأجرينا تحليلاً للجوانب الرئيسة التي تفيد بأن الحروب حول المياه لن تقع لو تم تطبيق ما ورد من بنود وجوانب دقيقة في «مبادرة محمد بن زايد للماء» عملياً، ولذكرنا بشكل قاطع على أهمية التوجه العالمي الذي ورد فيها لتوفير المياه للجميع باعتبار أن توفير المياه هو العامل الذي يحمل في طياته كماً هائلاً من إمكانية تحقيق السلام العالمي. وما كنا سنتناوله بالتحليل سيطال أصول وكيفية إمكانية القيام بتوفير المياه عالمياً من خلال المبادرة، بالإضافة إلى العلاقة الممكنة بين هذا العمل الفريد والتطورات السياسية وتحولات النظم حول العالم. ورغم أن جوانب من المبادرة تهتم بالشأنين المحلي والإقليمي على صعيد المياه، إلا أنها تشير في جوهرها إلى مجموعة واسعة ومتنوعة من الطروحات التي تؤكد أن توفير المياه سيحدث أثراً موطداً للسلام العالمي. لكننا نرجئ ذلك لمقام آخر.
*كاتب إماراتي