شهدت الانتخابات الأميركية صعود أشخاص من أصول هندية إلى مناصب سياسية رفيعة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي من المتوقع أن تظل فيه العلاقات الهندية الأميركية قائمة على أسس راسخة وقوية.
وعلى سبيل المثال، أصبح سوهاس سوبرامانيام أولَ أميركي هندي يُنتخب من الساحل الشرقي لعضوية مجلس النواب الأميركي، وذلك بعد أن تغلب على مايك كلانسي (من الحزب الجمهوري)، لينضم بذلك إلى ما يسمى «تجمع سمبوسة» في الكونجرس الذي يضم حالياً 5 أميركيين هنود. كما أُعيد انتخاب عضو آخر هو ثانيدار للولاية الثانية على التوالي، ممثلاً للدائرة الثالثة عشرة في ميشيغن بمجلس النواب الأميركي. وفي المجموع، فاز 6 أميركيين هنود بمقاعد في مجلس النواب هذه المرة. غير أن أبرز عضو في الجالية الجنوب آسيوية ربما هو أوشا فانس، زوجة نائب الرئيس المنتخب جاي دي فانس.
وتُعد أوشا نموذجاً لقصة نجاح المهاجرين الأميركيين الهنود. فقد تخرجت في كلية الحقوق بجامعة ييل حيث التقت بزوج المستقبل. ثم واصلت دراستها للحصول على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة كامبريدج، وبعد ذلك عملت لدى اثنين من قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة. وفي عام 2015، بدأت العمل شريكاً في شركة «مونجر» للمحاماة، حيث اشتغلت على القضايا المدنية، وهو المنصب الذي استقالت منه حينما اختير زوجُها نائباً لدونالد ترامب في السباق الرئاسي.
الوجود المتزايد للهنود في الولايات المتحدة من المتوقع أن يفيد الهند، على اعتبار أن المغتربين يضطلعون بدور محوري في تمتين الروابط الأميركية الهندية. ومن غير المتوقع أن يؤثِّر انتخاب ترامب على العلاقات الهندية الأميركية التي ترتكز على أسس راسخة قائمة على التقارب في العديد من المجالات.
ولا شك في أن هناك بعض المنغِّصات في العلاقات بين البلدين، غير أن تغيير الحرس في الولايات المتحدة، نتيجة فوز ترامب، من غير المتوقع أن يؤدي إلى تغيير المسار العام للعلاقات الهندية الأميركية. فهذه العلاقات ظلت متينة على خلفية المخاوف المتبادلة بشأن بحر الصين الجنوبي، إذ ازداد البلدان تقارباً في ظل زيادة الالتزام العسكري والوعد بالعمل عن كثب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالنسبة للولايات المتحدة، تُعد الهند كذلك سوقاً تزداد نمواً، والشركات الأميركية تتوق للاستفادة من الفرص المتنامية في البلاد. وإذا كان من المتوقع أن يكون ترامب صارماً بشأن الهجرة والتعريفات الجمركية التجارية، فإنه تربطه برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي علاقة جيدة.
وقد ظهر ذلك للعيان في مناسبات عدة. كما أن نيودلهي معتادة على أسلوب ترامب السياسي القائم على الصفقات، وتعرف أعضاء فريق عمله. ومع ذلك، قد تكون هناك بعض السلبيات. فخلال فترة ولايته الأولى في السلطة، فرضت إدارة ترامب قوانين أكثر صرامةً بخصوص تأشيرات «إتش 1 بي»، وهو ما كان له تأثير على شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات الهندية المحلية، لأنها لم تكن قادرة على إرسال أشخاص إلى الولايات المتحدة.
وهذه المرة، وصل ترامب إلى سدة البيت الأبيض على خلفية مجموعة من الوعود التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي. وقد وعد بفرض رسوم جمركية بنسبة 20 في المئة على جميع الواردات، وأكثر من 200 في المئة على السيارات، واقترح ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وتمديد التخفيضات الضريبية في وقت بلغ فيه عجز ميزانية الولايات المتحدة مستوى قياسياً.
ترامب أشار إلى أنه ستكون هناك استمرارية في العلاقات مع الهند، وقد يكون من نتائج ذلك عودة مشروع اتفاق التجارة الحرة، الذي دافع عنه أثناء وجوده في السلطة إبان فترة ولايته الأولى، لكن خلفه جو بايدن تخلى عنه، إلى طاولة النقاش. وفي الهند، يظل المزاج العام متفائلاً بشأن العلاقات الهندية الأميركية. وتتمثل إحدى الفوائد المتوقعة من عودة ترامب إلى السلطة في تسريع عملية تنويع سلاسل التوريد من الصين، وفي مثل هذه الحالة ستظل الهند من أبرز المستفيدين. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الهندي الدكتور جايشانكار، إن إعادة ترتيب سلاسل التوريد «من المرجح جداً» أن «تتسارع بعد نتيجة الانتخابات الأميركية».
ويُنظر إلى هذا الأمر في الهند على أنه فرصة، لأن الهند تأخرت وفاتَها قطارُ التصنيع في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحالي، غير أن شركة «آبل» الأميركية خطت خطوةً مهمةً من خلال نقل التصنيع المبكر لهاتفها القادم («آيفون 17») إلى الهند. ويُعد هذا النقل جزءاً من استراتيجية «آبل» الأوسع لتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها خارج الصين.
الهند تأمل أن تؤدي عودة ترامب إلى الرئاسة في أميركا إلى تسريع عملية التنويع أكثر. والواقع أنه حتى قبل فوزه بالانتخابات، كان ترامب قد صرّح بأنه إلى جانب العلاقات التجارية، سيعمل على توفير المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، والمزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وفي الهند، من المتوقع أيضاً أن يخف الضغط الأميركي على الهند من أجل تقليص العلاقات مع روسيا، وأن يتركز الانتباه على ما إن كان ترامب سيغيّر مقاربته بشأن الحرب في غزة. وفي الوقت الراهن، تبدو التكهنات بشأن عودة ترامب إيجابية عموماً، على الأقل في الهند.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي