تشتمل المسيرة التي أرسى قواعدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على مسارات سياسية ودبلوماسية واجتماعية واقتصادية ثرية وملهمة للغاية، ولا تزال كلها نبراساً منيراً للأجيال بعد الأجيال. لقد تميز الوالد المؤسس بنظرة بعيدة المدى تتجاوز كل الحدود والتوقعات في وقتها.. نظرة تنير الطريق للأجيال وتمنحها همةً وتلهمها طموحاً. كل عمل أو تصرف أو قرار اتخذه الشيخ زايد، كان له معنى ومغزى كبيران في مسار النهوض بالإمارات نحو مكانتها الإقليمية والعالمية الرفيعة، كما كانت مواقفه من الأحداث الإقليمية والعالمية هي المواقف الصحيحة إزاء تلك الأحداث، مما يعكس نظرتَه الاستشرافية العميقة للأمور بمختلف أبعادها.
لقد أقام لدولة الإمارات العربية المتحدة أفضل علاقات خارجية، على جميع الأصعدة الإقليمية والعالمية، وكان قريباً جداً من محيطه الخليجي، وكان قطباً مهماً في الإطار الإقليمي الأوسع. كما كان قريباً من محيطه العربي، وكثيراً ما لهجت الشعوب العربية باسمه وبمآثره الطيبة، عرفاناً بما قدّمه لها من دعم ومساندة في مواجهة ظروف الحياة. وعلى الصعيد الدبلوماسي كان، طيب الله ثراه، حريصاً على أن يرى الوفاق والوئام بين شعوب الأمة العربية، ولم يكن يطيق رؤية الخلاف يدب بين الأشقاء.
ومن هنا كانت جهوده في رأب الصدع بين الإخوة المتحاربين في لبنان إبان حربه الأهلية. كانت جهوده كبيرة وواضحة، وقد ساهم في التقريب بين أبناء الوطن الواحد، ولم يدخر جهداً في حل خلافات الإخوة، وقدم الدعمَ في كثير من المواقف حقناً للدماء وإنهاءً لمعاناة الشعب اللبناني. وقد نجح في ذلك بالتعاون والتنسيق مع إخوته قادة الدول العربية آنذاك. وتزخر أقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالكثير من المعاني الراقية والقيم الإنسانية السامية.. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قوله بأن لا خير في المال إن لم يُسَخَّر لخدمة أبناء شعبه.. ولهذا فقد بادله الشعبُ كثيراً من معاني الحب والوفاء.
ويذكرنا بذلك ما قاله عنه كلود موريس ضمن كتاب ألّفه حول بعنوان «صقر الصحراء»، نقل فيه عن العقيد هيوبوستيد، الممثل السياسي البريطاني الذي عاش فترة طويلة بالمنطقة، قوله: «لقد دهشتُ دائماً من الجموع التي تحتشد على الدوام حول الشيخ زايد وتحيطه باحترام واهتمام كبيرين وهو يشق الينابيع لزيادة المياه لري البساتين.. كان يشاركهم حفرَ الآبار وإنشاء المباني وتحسين مياه الأفلاج، والجلوس معهم ومشاركتهم الكاملة في معيشتهم وفي بساطتهم.. كرجل لا يعرف الغطرسة أو التكبر.. لقد امتلك خلال سنوات قليلة في العين شخصيةَ القائد الوطني المؤهل فعلاً لتحمل مسؤوليات القيادة».
وما من لا شك في أن تلك الروح هي أحد أهم الأسرار في النجاح منقطع النظير الذي حققته دولة الاتحاد، عبر المسار الذي بدأه الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي يواصل السيرَ على نهجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
إن سيرة زايد يجب أن تكون حاضرة دائماً وأبداً في ذهن شعوب الأمة العربية والإسلامية، نظراً لما تحتويه هذه السيرة من مواقف طيبة وثرية، ونظراً لقيادته الملهمة خلال مرحلة فاصلة جسدت نقلة نوعية حقيقية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة.
*كاتب كويتي