في إطار جهودها المستمرة لتعزيز قطاع التعليم العالي، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن اعتماد آليات جديدة لترخيص مؤسسات التعليم العالي واعتماد برامجها الأكاديمية، تهدف إلى تسهيل وتسريع الإجراءات، وتعكس التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتحسين جودة التعليم وتحقيق توافق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
وتأتي هذه الخطوة لتعكس القدرة المؤسسية على تطبيق المنهجية الجديدة للعمل الحكومي، التي أُطلقت عام 2022، والتي أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بعض سماتها بقوله: «دولتنا تمر بمرحلة نمو متسارعة، والعالم يمر بمتغيرات جيوسياسية وتقنية لم يسبق لها مثيل، والأمم الناجحة ستكون الأسرع في مواكبة ما يحدث حولها. والعمل الحكومي اليوم يختلف عنه قبل 10 سنوات، وشعبنا يستحق الحكومة الأفضل والأكفأ والأسرع». 
تتضمن الآليات الجديدة، التي أعلنتها الوزارة، تطبيق إطارِ تقييمٍ موحد قائم على المخرجات، يعتمد على 6 ركائز رئيسية: مخرجات التوظيف (25%)، ومخرجات التعلُّم (25%)، والتعاون مع الشركاء (20%)، ومخرجات البحث العلمي (15%)، والسمعة والحضور العالمي (10%)، والمشاركة المجتمعية (5%)، وذلك بهدف ربط أداء المؤسسات بمتطلبات سوق العمل، مما يعزز مبدأ «التعليم من أجل التوظيف».
وتقلل هذه الآليات عدد المستندات المطلوبة للحصول على التراخيص والاعتمادات، فقد انخفض بموجبها عدد الوثائق المطلوبة لترخيص مؤسسة تعليمٍ عالٍ جديدة من 28 مستنداً إلى 5، والوثائق المطلوبة لاعتماد البرامج الأكاديمية الجديدة من 13 إلى وثيقة واحدة. كما قُلِّص عدد الوثائق الخاصة بتجديد التراخيص والاعتمادات القائمة إلى الحد الأدنى.
ولا تقتصر آثار اعتماد الآليات الجديدة على تقليل الأوراق والجهد، إذ تتجاوز ذلك إلى تقليل الهدر البشري والزمني، والتوجيه المباشر للمؤسسات التعليمية نحو الكفاءة، حيث تتجنب هذه المؤسسات الانتظار الطويل للحصول على تصريح أو تجديد اعتماد في زمن يُقاس فيه الابتكار بالدقائق لا بالأيام. كما تعيد هذه التحديثات تعريف العلاقة بين الدولة والمؤسسات التعليمية، على نحو لا يقصر دور الدولة على كونها جهة رقابية فحسب، بل يجعل منها شريكاً تنظيميّاً يستند إلى الثقة المشروطة بمعايير واضحة وقابلة للقياس.
وفي تطور بالغ الأهمية، تعتمد الآليات الجديدة على أسلوب «إدارة المخاطر» لتجديد التراخيص والاعتمادات، ويتم التعامل مع المؤسسات بناءً على تقييم مستوى المخاطر لديها، حيث تُمنح المؤسسات المصنفة ضمن المخاطر المنخفضة ترخيصاً يمتد 6 سنوات مع رقابة دورية كل 3 سنوات، بينما تُمنح المؤسسات عالية المخاطر ترخيصاً لمدة عامين مع رقابة سنوية. ويمثل إدخال مبدأ «إدارة المخاطر» لتحديد مدة التراخيص ورقابتها تصوراً إداريّاً ناضجاً، يميّز بين المؤسسة القادرة على الامتثال المستدام، وتلك التي تحتاج إلى رقابة أكثر كثافة.
ويُعدُّ اعتماد إطار التقييم القائم على المخرجات تحوّلاً جوهريّاً، لأنه المعيار الأساسي لأي نظام تعليمي عصري. فالمؤسسة التي لا تنتج خريجين قادرين على الالتحاق بسوق العمل، أو لا تشارك في المجتمع أو في البحث العلمي، هي مؤسسة تفتقر إلى الفاعلية والتأثير. ولا شك أن الربط بين الأداء الواقعي والمؤشرات العملية مثل التوظيف والبحث والشراكات والمشاركة المجتمعية، يجعلنا أمام خريطة واضحة لجودة التعليم.
وتتناغم خطوة اعتماد آليات جديدة لترخيص مؤسسات التعليم العالي واعتماد برامجها الأكاديمية مع توجهات الدولة لتصفير البيروقراطية. وفي هذا السياق، يبدو أن التعليم العالي لم يعد مجرد قطاع خدمي، بل بات عنصراً فاعلاً في الاستراتيجية الوطنية. وهذا يفرض على المؤسسات التعليمية نفسها ألا تتعامل مع الوزارة كجهة مراقبة فقط، بل كشريك يفرض شروط الجودة، لكنه يسهل المهمة أيضاً.
إن تقليص الزمن لا يعني تقليص المعايير، ومن هنا تبدأ المسؤولية الحقيقية للمؤسسات الأكاديمية في إعادة بناء نظمها الداخلية، من الإدارة إلى المناهج، لتكون على مستوى الجاهزية المطلوب لهذا التحوّل. ولا يمكن النظر إلى الخطوة المذكورة باعتبارها مجرد تحديثات إدارية، بل إنها تمثل بالأحرى إعادة رسم للبيئة التعليمية في الإمارات، على نحو يجعلها أكثر جذباً واستقراراً للمؤسسات الأكاديمية المحلية والعالمية، ومثالاً يُحتذى في كيفية تحويل التعليم إلى منظومة ديناميكية مرنة وفعالة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.