في إطار مواصلة دوره منصةً حيويةً للنشر والإبداع، انطلقت أمس السبت فعاليات الدورة الـ 34 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، التي تُعقد تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تحت شعار «مجتمع المعرفة... معرفة المجتمع»، وذلك خلال الفترة من 26 أبريل إلى 5 مايو 2025 في مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك».
ويحظى معرض أبوظبي الدولي للكتاب بأهمية كبيرة، بالنظر إلى الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة لنشر المعرفة وترويج عادة القراءة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، لم تنظر إلى الثقافة بوصفها ترفاً، بل جعلت منها ركيزةً أساسيةً لمشروعها التنموي، ففي الوقت الذي كانت تبني فيه ناطحات السحاب وترسخ الركائز الأساسية للبنية التحتية، كانت تبني أسس الفكر والثقافة، باعتبارها مصادر رئيسية للقوة الناعمة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت مسيرة متواصلة من المبادرات والفعاليات الثقافية، من خلال تنظيم المعارض والمؤتمرات الدولية، التي تسلط الضوء على إنجازات الدولة الثقافية والفكرية. ويأتي معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ليس فقط كفعالية ثقافية سنوية، وإنما كمؤشر حيوي على أن الكتاب ما زال في قلب الرؤية الإماراتية للمستقبل.
وتحظى الدورة الـ 34 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب ببرنامج غني وحافل، يقدّم أكثر من 2000 فعالية ثقافية متنوعة، تستهدف مختلف الشرائح العمرية، وتلبّي اهتماماتٍ معرفيةً وثقافيةً وفنيةً متعددة. كما يشهد المعرض مشاركة واسعة لأكثر من 1400 عارض يمثلون ما يزيد على 90 دولة من مختلف قارات العالم، يتحدثون أكثر من 60 لغة. ومن بين هؤلاء، يشارك 120 عارضاً للمرة الأولى، في دلالة على النمو المتصاعد للمعرض.
وفي سياق هذا التوسع النوعي، تشارك دور نشر من 20 دولة للمرة الأولى، من ضمنها دول تنتمي إلى أربع قارات وتتنوع لغاتها لأكثر من 25 لغة. كما يضم المعرض 28 جناحاً دولياً، ويستضيف 87 جهة حكومية، محلية ودولية، بالإضافة إلى 15 جامعة، و8 مبادرات مخصصة لدعم النشر وصناعة الكتاب.
وتحتفي دورة هذا العام من المعرض بالعالِم الموسوعي «ابن سينا»، بمناسبة مرور ألف عام على إصدار كتابه الخالد «القانون في الطب»، الذي يُعد من أهم الإسهامات العلمية العربية في تاريخ الطب العالمي. وسيشهد المعرض هذا العام تخصيص برنامج ثقافي موسّع يركّز على العلوم الطبية، عبر سلسلة من الجلسات الحوارية والمعارض التفاعلية التي تستعرض أفكار ابن سينا، وإنجازاته، وتأثيره في تطور الفكر الإنساني.
ويأتي هذا الاهتمام امتداداً لتقليد المعرض في إبراز رموز الفكر والمعرفة في العالم العربي قديماً وحديثاً، حيث احتُفي في دورة 2024 بالأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، بينما كانت تركيا ضيف الشرف في دورة عام 2023، في دلالة على البُعد العالمي للمعرض وانفتاحه على الثقافات المتنوعة.وانسجاماً مع روح التجديد التي تميز المعرض عاماً بعد عام، تأتي فعالياته المصاحبة هذا العام لتقدّم لوحة متكاملة تجمع بين التطور التكنولوجي والإبداع الفني، وتفتح نوافذ جديدة على مستقبل الصناعات الثقافية. ففي الدورة الـ 34، يُطلق المعرض النسخة الأولى من مؤتمر «رقمنة الإبداع»، الذي يستعرض أثر الذكاء الاصطناعي في الفنون وصناعة المحتوى، ويمتد هذا الزخم الإبداعي ليشمل تجارب فنية وثقافية حيّة تتنوع بين عروض موسيقية، وسينمائية، وورش عمل تفاعلية.
وتعكس الأرقام المحققة في الدورة السابقة حجم النمو المستمر الذي يشهده المعرض، حيث تجاوزت المبيعات 8.4 مليون درهم إماراتي، من خلال بيع أكثر من 152,000 كتاب. كما استقطب المعرض أكثر من 231,000 زائر، مما يؤكد الإقبال المتزايد من الجمهور، ويبرهن على فعالية الجهود الرامية إلى تعزيز ثقافة القراءة، ودعم صناعة النشر.
إن معرض أبوظبي الدولي للكتاب يؤكد مجدداً مكانتَه كواحد من أبرز المنابر الثقافية في المنطقة والعالم، وهو يجمع بين عبق التراث وآفاق المستقبل، ويُعد تجسيداً حيّاً لرؤية دولة الإمارات التي تضع الثقافة في قلب مشروعها التنموي، مؤمنةً بأن بناء الإنسان يبدأ ببناء الفكر.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.